جنيف 2 في موعده هل بدأ العد العكسي لنهاية الأزمة السورية؟

اجتمع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد، يوم السبت 18/1/،2014 وناقش وأقرّ تقريراً حول آخر المستجدات السياسية، بعد أن أدخل عليه تعديلات، وهذا نصه:

نجحت الضغوط الأمريكية- الأوربية في دفع (الائتلاف) إلى الموافقة على حضور جنيف ،2 مما يوفر، من الناحية الشكلية، مبررات عقده بعد موافقة أكثر من طرف واحد.. الحكومة السورية و(الائتلاف)، في الوقت الذي غُيّبت فيه المعارضة الوطنية في الداخل، رغم سعيها منذ البداية إلى المساهمة في أي جهد لحل الأزمة.

لن نتكهن بما سيسفر عنه المؤتمر، في ظل تباين مطالب الذاهبين إليه والقوى الدولية التي تدعمه. فالوفد السوري الذي سيرأسه وزير الخارجية استبق انعقاد المؤتمر، مؤكداً أن الأولية على جدول أعمال جنيف 2 يجب أن تتركز على مكافحة الإرهاب التكفيري، وتجفيف منابع دعمه المالي والعسكري واللوجستي، بعد المذابح التي ارتكبها في العديد من المناطق السورية، للحد من خطورة تحوله إلى إرهاب إقليمي ودولي، بعد التفجيرات الإرهابية في لبنان، ومحاولات السيطرة على المدن العراقية.

أما (الائتلافيون) الذاهبون إلى جنيف،2 في اللحظة الأخيرة، وفق تصوراتهم وأوهامهم، لتسلم مقاليد السلطة في سورية، فلن يجدوا صدى لمطالبهم، في ظل افتقادهم لتمثيل جميع أطياف المعارضة أولاً، وتناقض مشروعهم السياسي مع خيارات جماهير الشعب السوري السياسية والديمقراطية والعلمانية.

إذاً.. بات مؤكداً أن مؤتمر جنيف 2 سيعقد اليوم، في موعده المحدد، في الوقت الذي أعلنت فيه (هيئة التنسيق) عدم مشاركتها، وبغض النظر عن الأسباب التي طرحتها، إلا أننا نرى أن إقصاءها أو عدم حضورها، ليس في صالح المؤتمر، ولا في صالح القوى التقدمية والمعارضة الوطنية الداخلية.

فيما قال رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم: (إن المنظمة الدولية المشرفة على تنظيم جنيف 2 تحاول الآن إبعاد الأكراد عن حضور المؤتمر، وفي حال إصرار تلك الدول على موقفها هذا، لن يحقق مؤتمر جنيف الأهداف المرجوة منه، ولن يكتب له النجاح).

وأعلنت الحكومة السورية مبكراً تشكيل وفدها، وأنه سيحضر المؤتمر ويعمل على إنجاحه، دون شروط مسبقة.

وإبان إعلان موعد انعقاد المؤتمر، كان لافتاً نشوب أكثر من معركة، أهمها ما يسمى بمعركة صراع (الجهاديين) بين (داعش) من جهة، و(الجبهة الإسلامية) و(أحرار الشام) و(الجيش الحر) وبعض التنظيمات المسلحة الأخرى من جهة ثانية، في ظل زخم إعلامي وتصريحات سياسية متلاحقة، غربية ورجعية في المنطقة، جوهرها أن المعارضة المعتدلة على الأرض السورية تحارب التنظيم المتطرف المرتبط بالقاعدة، وبالتالي فهي تخوض معركة ضد (الإرهاب). وتسرعت بإعلان انتصارات ونجاحات تمثلت بالاستيلاء على المواقع التي كانت تسيطر عليها (داعش). وبعد حين، انقلبت الأمور، وحققت (داعش) نجاحات ملموسة على الأرض في الرقة وحلب وبعض المواقع الأخرى، في الوقت الذي عزز فيه الجيش السوري مواقعه وبرز دوره الفاعل، خاصة في ريف حلب والرقة وغيرها، مما صدم السعوديين، لأن الواقع على الأرض لم يتغير كما كانوا يسعون ويأملون، بل ازداد سوءاً.

وكان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي قد أعلن أن الجامعة العربية تؤيد عقد جنيف 2 للبحث عن مخرج للأزمة السورية، وأن ما يهم الجامعة العربية هو وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.

كما أعلن وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي، في لقائهما الأخير، بعد أن حسما تحديد موعد جنيف ،2 أن المطلوب لتحسين الأجواء إنجاز قضايا ذات طابع إنساني، مثل (إعلان تهدئة محدودة في مناطق معينة بسورية، وفتح مزيد من الممرات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وإعداد صفقة لتبادل الأسرى والمعتقلين) وهي جزء من طلبات المعارضة لإظهار أنها حققت إنجازاً ما.

وكان الرئيس الروسي قال أمام السفراء الجدد في بلاده: (يتعين علينا أن نعمل معاً على ترسيخ النتائج الأولى التي تم تحقيقها فيما يتعلق بحل عدد من القضايا الدولية الرئيسية، وأنا أتحدث طبعاً عن القضيتين السورية والإيرانية).

كل ذلك يشير إلى أن الاتفاق الأمريكي الروسي دخل مرحلة التنفيذ الجدي، وسبقها الكثير من اختبارات النوايا في الملف الإيراني، والكيميائي السوري، وجنيف 2.

إن الجرائم التي ارتكبتها المجموعات التكفيرية على الأرض السورية، وازدياد تدفق الجهاديين من أوربا وأمريكا إلى سورية، سهّل على الولايات المتحدة والغرب التنصل من التزاماتهما (قولاً) تجاه حلفائهما وبعض المجموعات المسلحة، بحجة مكافحة الإرهاب، التي أصبحت أولوية عند الغرب وأمريكا، مما فتح مجالاً أرحب أمام الروس والإيرانيين لامتصاص حدة الهجمة على سورية ورئيسها شخصياً، وبرهن صدقية المواقف الروسية والإيرانية وغيرها، وأن ما يجري على الأرض السورية جرائم إرهابية تكفيرية بامتياز، خصوصاً بعد تفكك المعارضات السورية الخارجية ،وفشل الوعود السعودية والتركية، بإمكانية تغيير الواقع على الأرض. إلا أن المكر والخداع الأمريكي، وبالتعاون مع الغرب والوكلاء العرب والإقليميين، وما يسمى (أصدقاء سورية) مازال قائماً، بعد محاولتهم إعادة تفسير بيان جنيف على أساس أنه يفرض تنحي الرئيس، بينما البيان لا ينص مطلقاً على هذا الأمر.

لذلك،لم يكن مصادفة أن يذهب الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية السورية وليد المعلم، مع وزير خارجية إيران إلى موسكو، في طائرة واحدة، وأن يجتمعا مع الوفد الروسي، وفي نتائج اللقاء أن الوفود الثلاثة متطابقة الآراء والمواقف، وهذا يدل على ثبات الموقف الروسي الإيراني السوري. وفي المقابل نجد الارتباك الأمريكي الغربي والشركاء الإقليميين، ومعارضتهم المصنعة خارجياً، لجهة عدم وضوح الرؤيا.. لكن إعلان وزير الخارجية السوري في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي بأنه قدم مشروعاً لترتيبات أمنية يتعلق بمدينة حلب، وتبادل معتقلين في السجون السورية مقابل مختطفين لدى الإرهابيين، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، أثبت للجميع صدق النوايا السورية.

إن أي قرار يخص الشعب السوري ومستقبله يجب أن يخضع لموافقة هذا الشعب، بالتصويت عليه.. ونحن على قناعة بأن مؤتمر جنيف 2 سيكون انعكاساً ملموساً لصمود الشعب السوري، إضافة إلى ثبات ووضوح مواقف أصدقاء سورية..

إن الشعب السوري يعرف ماذا يريد، وسيرفض الإملاءات من أي جهة كانت.. إنه يريد أولاً وقفاً شاملاً لأعمال العنف والإرهاب والتهجير، كما أنه يريد في الوقت نفسه الوصول إلى حل سياسي وطني يخرج البلاد من الأزمة، وذلك بالحوار والمصالحات، ويريد بناء دولته الحرة المدنية الديمقراطية التي تسود فيها الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من أن السوريين كانوا يأملون أن يكون الوفد الحكومي المفاوض ممثلاً لجميع شرائح المجتمع السوري ومكوناته، وهو ما طالب به حزبنا الشيوعي السوري الموحد، في اجتماع القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، إلا أن ذلك لن يغيّر من أن أي حل لقضيتهم سيكون من خلال توافق السوريين أنفسهم، وذلك عبر الحوار والحل السياسي. كما طرح حزبنا ويطرح منذ بداية الأزمة حتى الآن.. وما مسيرة المصالحات وإلقاء السلاح التي انطلقت في بعض المحافظات والمناطق، وأخيراً في أطراف دمشق، كبرزة والقابون وبعض مناطق الغوطة، إلا إجراءات في الاتجاه الصحيح ويجب تشجيعها، لنبذ العنف وترسيخ الاحتكام إلى العقل والمنطق، وإنقاذ وطننا وشعبنا مما أصابهما على مدى سنوات الأزمة الكارثة.

لن نتكهن إذاً بما سيسفر عنه جنيف 2، في ظل المقدمات التي مهدت لانعقاده، لكنه -حسب اعتقادنا- لن يكون نهاية المطاف، بل -كما ذكرنا أكثر من مرة- هو مدخل آمن لإنهاء الأزمة التي أدمت السوريين، وكادت أن تهدم كل ما بنته أيديهم منذ عقود، فهناك استحقاقات أخرى يجب التركيز عليها، وفي مقدمتها عقد الحوار السوري – السوري، بمعزل عن أي تدخل خارجي، لرسم مستقبل سورية السياسي والاقتصادي والاجتماعي – الديمقراطي والعلماني المعادي للإمبريالية والصهيونية الرجعية السوداء.

صحيح أن المهمة الملحة الآن إيقاف نزيف الدم، لكن الصحيح أيضاً أن خيارات الشعب السوري بجميع قواه السياسية الوطنية وفئاته الاجتماعية المختلفة، وتحقيق مطالبه الديمقراطية والاجتماعية، يجب أن تحترم، وأن يجري التوافق عليها في الحوار السوري الشامل.

العدد 1105 - 01/5/2024