التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية

بُعيد اندلاع الأزمة في سورية، تغير توازن القوى الذي كان قائماً على الحدود السورية الإسرائيلية منذ فك الاشتباك الذي وقع بين سورية وإسرائيل برعاية هنري كيسنجر عام 1974. وجرى حينذاك نشر مراقبين للأمم المتحدة في منطقة عازلة بين سورية والجولان المحتل، بلغ عددهم حتى عام 2013 نحو ألف مراقب، مهمتهم الإشراف على تطبيق هذه الاتفاقية. لكن مع تحول (الثورة) السورية إلى نزاع مسلح وسيطرة المسلحين على أجزاء في جنوب سورية من محافظتي القنيطرة ودرعا ، بدا لإسرائيل أن من مصلحتها التحكم وتوجيه تطور الأحداث في الجنوب السوري.

الخطوة الأولى التي قامت بها إسرائيل هي الضغط دولياً بالتعاون مع الولايات المتحدة والغرب بهدف سحب الأمم المتحدة لقواتها من الجولان، وفعلاً بدأت الانسحابات متتالية مع سحب كرواتيا لعناصرها في آذار عام 2013 ، تبعتها القوات النمساوية في حزيران من العام نفسه. لاحقاً وبعد عملية للمجموعات المسلحة خطف فيها جنود تابعون للأمم المتحدة، تَرك القسم المتبقي من القوات الدولية مواقعه الرسمية في منطقة الفصل وانتقل إلى الجانب الإسرائيلي المُحتل من الحدود.

تعود أول التقارير عن علاقة إسرائيل بالمجموعات الإرهابية المسلحة في الجنوب السوري إلى تقرير على تلفزيون (العربية) الممول من المملكة السعودية، يشير فيه إلى استقبال إسرائيل لجرحى سوريين. لاحقاً، تكرر هذا الخبر مراراً على وسائل الإعلام. ويعتبر تقرير صحيفة هاآرتس العبرية في 7 كانون الأول 2014 التبني الرسمي تقريباً للدور الإسرائيلي في سورية، بعد أن كانت الردود الإسرائيلية سابقاً لاتتجاوز إطار فكرة (أنها تساعد الجرحى فقط). قالت الصحيفة (إن تقارير مراقبي الأمم المتحدة في العام ونصف العام الأخير تكشف عن مدى وحجم التعاون بين إسرائيل ومجموعات المعارضة السورية. والتقارير التي تُسلم لإطلاع الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن، تُفصّل الاتصالات التي تجري على الحدود السورية الإسرائيلية بين عسكريين إسرائيليين ومسلحين سوريين).

وفي تفاصيل التقارير الواردة من قوات المراقبة الدولية إلى الأمم المتحدة، والتي قامت جريدة السفير اللبنانية بنشرها في عددها الصادر في 8 كانون الأول 2014 أنه (خلال الفترة مابين كانون الأول 2013  وحتى آذار 2014 ،لاحظت الأندوف حالات عدة أقام فيها مسلحون من المعارضة السورية اتصالات مع الجيش الإسرائيلي خلف خط وقف النار، قرب موقع المراقبة 85. وأن (المراقبين شاهدوا في 10 حزيران جنوداً إسرائيليين يسلّمون صناديق لمسلحين معارضين في الجانب السوري).

التدخل العسكري في سورية من  قبل إسرائيل ليس جديداً، بل لم ينقطع منذ عقود، وتعتبر الأزمة السورية فضاء حيوياً شديد الأهمية لإسرائيل لتنفيذ أجنداتها الخاصة الداخلية نحو الفلسطينيين، أو الخارجية بشكل خاص تجاه الوضع الإيراني.

ورغم أن الجولان السورية المحتل هو التقاطع الأخطر بين سورية وإسرائيل، إلا أن الوضع الداخلي في سورية في العقد الأخير ماقبل الأزمة، ربما كان الدافع الأهم لإسرائيل للتدخل المتعدد الأوجه في الأزمة السورية. وأصبح من الثابت أن هذا الدور هو بمثابة المايسترو في تصميم إشعال الفوضى في سورية وليس فقط في جنوب سورية وتطبيقها، ثم لاحقاً تشكيل الأرضية الأساسية لانطلاقة الأزمة عسكرياً. وقد شكل استمرار دمار البنية التحتية للدولة السورية، وتشتت الجيش السوري في معاركه على كامل الأرض السورية، فرصة استراتيجية أكثر من أي وقت آخر للإسرائيليين تجاه تهويد القدس، وفرض الأمر الواقع على الطرف الفلسطيني المفاوض في محادثات السلام.

كما أنها تريح نفسها مستقبلاً ولفترة طويلة، من أي وقائع جديدة يمكن أن تحدث على وضع الجولان المحتل، بعد أن كان حزب الله قد بدأ يشكل خطراً جدياً في هذا السياق.

العدد 1105 - 01/5/2024