الجولة الثانية.. تصعيد أمريكي وتمسك سوري بوثيقة جنيف

يمكننا القول إنه باستثناء بعض اللقاءات الهامة التي عقدت في سياق الجولة الثانية لمؤتمر جنيف ،2 بين بعض الأطراف الدولية المعنية به، فإن هذه الجولة لم تحقق أي تقدم يذكر، في إطار معالجة الأزمة السورية، وكيفية التعامل مع وثيقة جنيف أساساً.. وأن الخلافات بين وفد سورية الحكومي ووفد ما يسمى ب(المعارضة) الذي يمثله عملياً جزء صغير من (الائتلاف) المعارض نفسه، وليس كل أطرافه، أو أطياف المعارضة الوطنية الداخلية أو الخارجية أيضاً.

ورغم المرونة المبدئية التي أبداها الوفد الحكومي السوري مرة أخرى، عبر استعداده لمناقشة كل بنود وثيقة جنيف 1 بنداً بنداً، وبضمنها البند الثامن الخاص ب(الهيئة الانتقالية)، إنما بعد الاتفاق على البند الأول والأهم في الوثيقة الخاص بتشخيص الإرهاب القائم في سورية، وكيفية مكافحته، فإن إصرار الوفد (الصغير) على أولوية البند الثامن أساساً للحوار، عرقل الوصول إلى التفاهم على جدول أعمال الجولة الثانية!

وأدى هذا التعاطي من قبل (الائتلاف) إلى اختصار أعمال الجولة الثانية من جهة، وإلى عدم (التوافق) الدولي على موعد عقد الجلسة القادمة من جهة أخرى، وعدم تحديد الأخضر الإبراهيمي موعداً ولو أولياً لهذه الجولة، رغم الإشارة العامة إلى شهر آذار القادم، وإعلانه عن ضرورة مناقشة نتائج الجولتين في مجلس الأمن الدولي أولاً.

ففي الوقت الذي أعلن فيه د. فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية، عضو الوفد الحكومي، استعداد الوفد  السوري لمناقشة كل بنود وثيقة جنيف ،1 أصر وفد (المعارضة)، أو الأصح القسم المشارك منها على مسألة مناقشة موضوع (الهيئة الانتقالية) أولاً، وصولاً إلى عدم إقراره بوجود الإرهاب وفعله وتداعياته وكيفية مكافحته سورياً ودولياً.

هذا في الوقت الذي شهدت فيه الجولة الثانية لقاء ثلاثياً، ضم غينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي، ونظيرته الأمريكية ويندي شيرمان، والمبعوث الدولي الإبراهيمي، وصفه المراقبون بالهام والعاصف.. وأن الدعوة إلى عقد لقاء خماسي يضم الثلاثي، إضافة إلى الطرفين السوريين، لن يمثل حلاً، لأن الحوار أساساً يجب أن يتم بين وفدي الحكومة السورية، وما يسمى ب(المعارضة)، وهذا ما أكده غاتيلوف والمعلم أيضاً خلال لقائهما الثنائي، وتأكيدهما أن مسألة الإرهاب ومكافحته هي الأساس في وثيقة جنيف،1 والمدخل إلى (حلحلة) كيفية التعاطي مع البنود الأخرى، وبضمنها البند الثامن. كذلك لقاء الوفد الحكومي السوري المنفرد مع الإبراهيمي، في الوقت الذي لم يشارك أحمد الجربا رئيس وفد (الائتلاف) في أعمال الجولة الثانية، رد عليها المعلم بالمثل، ولهذا مدلولاته.. فيما أظهرت اللقاءات الدولية، والثلاثي أساساً، تصعيداً أمريكياً عنوانه إدراج مسائل أخرى خارج إطار وثيقة جنيف ،1 ومن بينها موضوع السلاح الكيميائي السوري، وإظهار أن سورية لم تلتزم تماماً بالقرار 2118 وبنده المتعلق بتفكيك هذا السلاح. كذلك محاولات إدراج مسائل أخرى مشابهة حول الممرات الإنسانية، وفك الحصار عن بعض المناطق دون غيرها (حمص القديمة مثلاً)، في تعاط أمريكي – معارض للحالة السورية عموماً، ومحاولة تسييس مسألة المساعدات الإنسانية.. وهذا خلافاً لما أعلنته سيغريد كاج، المنسقة الخاصة للبعثة المشتركة للأمم المتحدة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بعد اجتماعها مع القيادة السورية: (أن سورية لا تعيق تنفيذ القرار، إنما هناك ظروف موضوعية معيقة، أساسها الإرهاب وكيفية ضمان إخراج هذا السلاح من الأراضي السورية).

وتلخص الخلاف الأساس في الجولة الثانية حول جدول الأعمال المقترح من الإبراهيمي، والذي وافق عليه الوفد الحكومي ورفضه وفد (الائتلاف) الذي أظهر فشل، أو عدم قدرة الإدارة الأمريكية أو عدم رغبتها، لاعتبارات أمريكية صرفة، وتجنب التباين والتعارض مع حلفائها وأتباعها حول موضوع تمثيل المعارضة، لتضم جميع أطيافها، وبخاصة الفاعلة منها، وبالتالي إلزام هذه الأطياف (أنصارها وأعضائها) بالنتائج المرجوة من مؤتمر جنيف ،2 وبخاصة وقف سفك الدم السوري، واستمرار تخريب البنى التحتية والمؤسساتية السورية الوطنية والفردية.

في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود السورية للوصول إلى مصالحات محلية، أثمرت في العديد من المناطق، وبخاصة في ريف دمشق، والإصرار الحكومي على متابعتها في المناطق الأخرى، وبالتالي أهمية هذه الخطوات الداخلية السورية مقارنة بالنقاش السفسطائي الجاري حتى تاريخه في جنيف.. مقابل تصعيد العصابات المسلحة أعمال الإرهاب والمجازر، وآخرها ما حصل في قرية معان بمحافظة حماة.

وإن لم تحرز الجولة الثانية تقدماً ما يذكر، حسب وصف المقداد نفسه، بسبب من طبيعة التمثيل المجزوء للمعارضة، وعدم التزامها بوثيقة جنيف ،1 فإن تصريح الإبراهيمي استعراض أجواء حوارات جنيف في مجلس الأمن الدولي لن يساهم أيضاً في (حلحلة) قضايا الخلاف القائمة، خاصة بين الطرفين الروسي- الصيني، وما يمثلانه دولياً، والطرف الأمريكي – (الغربي) واحتمالات استخدام حق النقض (الفيتو) المزدوج ضد مشاريع قرارات تمس سورية وسيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذا ما أعلنه مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، بتأكيد التلازم بين حل الوضع الإنساني والأمني في سورية، ويمثل جوهر المشروع الروسي إلى مجلس الأمن الدولي في رده على مشروع قرار غربي تقدمت به أستراليا ولوكسمبورغ والأردن حول الممرات الإنسانية فقط.

من ضعف تمثيل (المعارضة) وهزالتها واقتصارها على جزء صغير غير فاعل، ولا يمثل حتى (الائتلاف) نفسه، إلى الجدل حول جدول أعمال حوارات جنيف وأولوياته، الذي لم يستطع توسيع إطار تمثيله بعد، ولا نعتقد أنه سينجح في ذلك، مروراً بالتصعيد الأمريكي في التعاطي مع الأزمة السورية، هي عناوين لما واجهته الجولة الثانية، والتي ساهمت بمجموعها في عدم إحراز تقدم يذكر.. وأكدت مرة أخرى أن الكرة في الملعب الآخر الأمريكي والجزء (الصغير) المعارض، وكيفية تعاطيه مع حوارات يفترض أن تكون المسألة الوطنية السورية وآليات (حلحلتها) خطوة باتجاه إغلاق هذا الملف.. تظهر مرة ثانية حقيقة تعاطي الآخرين مع الأزمة السورية وملفاتها المتعددة، والتي بات الجميع يقر نظرياً، أو علمياً، بأولوية مكافحة الإرهاب، باستثناء قسم من وفد الدوحة، وهذا هو الأهم الذي رشح عن الجولة الثانية، ومحاولة إدراجها على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، أو الإطالة الزمنية لعقد الجولة الثانية.

في الوقت الذي يتمسك فيه الطرف السوري الحكومي بوثيقة جنيف،1 ويحقق إنجازات ميدانية متتابعة، ومصالحات محلية، ومسيرات تأييد لسورية وموقفها في مختلف المناطق، الذي يستند إلى تفاهم وتنسيق مع الأصدقاء والحلفاء أيضاً.

العدد 1105 - 01/5/2024