لماذا أحاول أن أكون شيوعياً؟

بمجرد أن يعرف صديق ادعائي بأني شيوعي، فإنه يسألني: لماذا أنت شيوعي؟ وتكرار هذا السؤال لعله السبب الرئيسي في كتابة السطور التالية، فلربما يدور السؤال في ذهن أحد المقربين ولم تأت الفرصة بعد لطرحه والنقاش حوله، فجاءت السطور التالية مبادرة منّي لبدء النقاش معاً حول المسألة.

أولاً أنا لست شيوعياً أو ماركسياً، ولكني أسعى لأكون كذلك، وذلك لأسباب عديدة، أولها أني شخص استهلاكي بدرجة كبيرة للسجائر والنسكافية، وهو ما يتعارض مع الفكر الذي أدعي الانتماء إليه، ثانياً أنا غير منظم في حزب أو تنظيم وهو أيضاً ما يتعارض مع إحدى أهم مكونات الماركسية، ثالثاً لا أمارس النضال يومياً، وبالتالي فإن أهم عناصر الماركسية، وهي الممارسة العملية غائبة عني، رابعاً أتعامل مع صحتي كأنها ملكي وليست ملك الفكرة ومن أنحاز إليهم.. وغيرها من أسباب تنفي عني صفة الشيوعي الحقيقي، الذي أسعى للوصول إليه.

 

ما هي الشيوعية؟

الشيوعية أو الماركسية نسبة إلي كارل ماركس مؤسسها، كما فهمتها، وقد أكون مخطئاً في فهمي، هي نظرية علمية ثورية هدفها دفع المجتمع خطوة للأمام نحو مجتمع خال من الاستغلال، الناتج عن الملكية الخاصة لوسائل وأدوات الإنتاج لتحل محلها الملكية العامة أو الجماعية، عن طريق أو عبر أدوات يستخدمها الماركسي في نضاله ضد الطبقة المالكة لوسائل وأدوات الإنتاج، وهي الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ، كل هذه العلوم تتيح للماركسي تحليل المجتمع والوضع الراهن والوقوف على مشاكله وتحدياته من أجل دفعه خطوة للأمام فيما بعد نحو القضاء على الملكية الخاصة لوسائل وأدوات الإنتاج.

 

لماذا أنت شيوعي؟

لسببين أولهما أن الله عندما خلق الأرض خلقها للبشر أجمعين بما عليها وما في باطنها من ثروات كالبترول والغاز والحديد وغيره، كما أن الأرض خلقها الله للبشر أجمعين ولم يخلقها لسين أو صاد من البشر، وبالتالي فالأصل هو شيوع المادة أو شيوع الأرض وخيراتها وثرواتها للبشر أجمعين، ولكن الإنسان، بدوافع تتناقض مع مشيئة الله راح يمتلك تلك المصادر ويحرم منها الآخرين، بل وراح يقنن ذلك بسن القوانين والنظام الذي يحمي ملكيته غير المشروعة لوسائل وأدوات والإنتاج، ليراكم ثرواته على حساب إفقار من لا يملك غير قوة عمله، فيبيعها للمالك الذي هو في الأساس مختلس للأرض وثرواتها، نظير أجر زهيد لا يتناسب مع ما يبذله من جهد، ولأن الماركسية تهدف إلى تنوير العامل وتوعيته بسرقة المالك أو الرأسمالي لحقّه في الأرض، وتدفعه دفعاً لاسترداد ملكيته المسلوبة، ولأني لا أملك وسائل وأدوات إنتاج، فكان طبيعياً أن أكون عاملاً وبالتالي شيوعياً.

السبب الثاني، أن كل إنسان هو شيوعي بفطرته يولد و بداخله حب للبشر وحب للعدل والخير والحق والحرية والسلام، ولكن ما إن ينشأ في المجتمع الرأسمالي وتبدأ ثقافته الرثة تقتحم حياته وتسعى للهيمنة على سلوكياته بهدف إخضاعه للنظام غير الإنساني وغير الرباني القائم، فتتحول رويداً رويداً كل القيم الجميلة إلى قبيحه، وتخضع للنظام الرأسمالي فيسيطر على سلوك الإنسان الطمع والجشع وقمع الآخرين والحرب من أجل تراكم المال والظلم لتكوين الثروات والاستغلال لزيادتها أكثر وأكثر، والأرقام لا تنتهي وكذلك الشر يستحدث ويولد ويتلون من أجل تحقيق الغاية الأسمى: السيطرة على وسائل وأدوات الإنتاج وحرمان أصحابها منها. لذا أسعى لأكون شيوعياً لأني أسعى للحفاظ على القيم الجميلة وعلى إنسانيتي، وأن لا أتحول يوماً إلى حيوان، وأن انتزع أنا ورفاقي ملكيتنا المسلوبة من قبل أقلية قامت بسرقتها .

ختاماً فجوهر الماركسية هو تحرير من لا يملكون، وهم الأغلبية، من الاستغلال، عن طريق القضاء على الملكية الخاصة لوسائل وأدوات الإنتاج. أما جوهر الرأسمالية فهو تحويل الإنسان إلى حيوان، أن يكون ذئباً لأخيه الإنسان، وبالتأكيد لا أطمع في أن أكون حيواناً.

 

(الحوار المتمدن)

العدد 1105 - 01/5/2024