جولة جنيف الثانية في ظل استمرار الدعم الأمريكي للإرهابيين.. وغياب المعارضة الوطنية

إمكانات محدودة لحدوث اختراقات… والدم السوري مازال ينزف

 

بعد انتظار طويل، عُقد جنيف .2. هذا المؤتمر الذي نظر إليه السوريون بوصفه مدخلاً آمناً لإنهاء أزمتهم التي تحولت إلى كابوس يومي، يبدأ بالخوف والهروب والخضوع للفتاوى (القراقوشية)، ولا ينتهي مع نزيف الدم وتهديم الحجر وحرق الشجر وكل ما هو خيّر في سورية.

الجولة الأولى حملت سمات فشلها، حين قرر كيري وشركاؤه التراجع عن النوايا السلمية المعلنة، فوضعوا شروطهم في ندوة اتفق على خلوها من أي شروط، وأتبعها الكونغرس بقراره الموافقة على تزويد المنظمات الإرهابية في سورية بالسلاح والدعم البشري المدرب والمساندة اللوجستية المتطورة.. وجاء دور (الائتلاف) الذي تهيأ له أنه يمثل فعلاً- لا حلماً من أحلام اليقظة- المعارضة السورية.. بل الشعب السوري بأسره.. فتابع غطرسته وذهب بعيداً في أوهامه، عندما ظن أن مفتاح دمشق سيصبح في جيبه. أما الوفد الحكومي السوري الذي اقترحنا أن يكون وفداً سياسياً يمثل أطياف القوى السياسية الوطنية، فقد تمسك بداية برؤية تنحصر في بند واحد من بنود جنيف،1 وهو مكافحة الإرهاب الذي يقف عائقاً أمام أي تسوية سلمية، لكنه أبدى بعد ذلك استعداداً لبحث جميع البنود، وبضمنها البند المتعلق بالهيئة الانتقالية، وباقي البنود، حسب الترتيب الأساسي في وثيقة جنيف.

بين جولتي جنيف ،2 اشتدت المعارك بين الإرهابيين، وخاصة في المناطق الشرقية وعلى الحدود السورية- التركية، وظهر جلياً صراعهم على مد النفوذ واكتساب الحظوة لدى الداعمين الأمريكيين والسعوديين.. كذلك ازدادت مخاوف الأوربيين من ارتداد الإرهاب المصدر إلى سورية باتجاه أوربا، بل باتجاه الولايات المتحدة ذاتها، وقرر الاتحاد الأوربي عقد اجتماع موسع في 20 شباط الحالي، يضم الدول الأوربية وثماني دول عربية، إضافة إلى تركيا، لبحث خطورة تشظي الإرهاب من خلال عمليات منظمة، أو مع عودة (الجهاديين) الأوربيين إلى بلدانهم.

أما وزير الأمن الداخلي الأمريكي الجديد (جونسون)، فصرح بأن (سورية باتت مصدر قلق على الأمن الداخلي الأمريكي). وتابع قائلاً: (نعرف أن أفراداً من الولايات المتحدة وكندا وأوربا يسافرون إلى سورية للقتال، ويحاول متطرفون أدلجتهم وإعادة إرسالهم إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ مهمات متطرفة، ونحن مصممون على القيام بما يلزم).

وأبلغ مدير المخابرات الوطنية (كلابر) أعضاء الكونغرس أن جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، لديها تطلعات لشن هجمات هنا، وأن إدارات المخابرات الأمريكية المختلفة التقطت إشارات على وجود (مجمعات تدريب) داخل سورية لتهيئة (الجهاديين) الأجانب للعودة إلى بلدانهم والقيام بعمليات إرهابية، وقدر عدد المقاتلين الأجانب بنحو 7000 من 50 دولة.

وفي الوقت الذي يبدي فيه الأمريكيون والأوربيون هذا القلق تجاه عودة مواطنيهم الإرهابيين من سورية، كانت الطائرات الأمريكية تحط في المطارات الأردنية، حاملة (المدد) العسكري واللوجستي، بهدف دعم المنظمات الإرهابية، إضافة إلى العنصر البشري المدرب (أمريكياً) في المعسكرات التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية في الأردن.. هذا الدعم العسكري المباشر تزامن أيضاً مع عتب أمريكي على الحكومة العراقية، جاء على لسان المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية (بريت ماك جورك) في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (الحكومة العراقية بحاجة إلى بذل جهود أكبر، لمنع إيران من نقل أسلحة ومقاتلين إيرانيين جواً إلى سورية، وهذا محبط للغاية)!

هذا هو المنطق الأمريكي الذي سيقود (الائتلافيين) في الجولة الثانية التي بدأت أول أمس الاثنين، هذه الجولة التي ستشهد- حسب اعتقادنا- (مراوحة في المكان) بعد إخفاق محاولات لإشراك المعارضة الوطنية السورية بوصفها طرف، أو أفراد داخل وفد (الائتلاف)، وإصرار السعوديين على دعم الإرهاب في سورية.

التوقعات بحدوث اختراقات في ستاتيكية المناخ السائد بين الطرفين محدودة للغاية، ومرهونة، إذا ما حدثت، بتغليب مصالح الشعب السوري ومصير سورية كبلد ووطن، على مصالح هذا وذاك، وهذا ما لا تدلل عليه حتى الآن أي مؤشرات ملموسة. المصالحات الوطنية التي تجري في عديد المناطق السورية تسرّع من عودة الاستقرار والأمن، وتعيد اللحمة إلى النسيج الاجتماعي السوري، ونرى أهمية تزامنها مع إطلاق سراح معتقلي الرأي والموقوفين السياسيين المنتمين إلى صفوف المعارضة الوطنية، لتوفير أجواء مشجعة على استمرار عمليات المصالحة الوطنية، كذلك فإن تدخل الحكومة الفاعل لتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للجماهير الشعبية يقوّي من صمودهم لمواجهة الإرهاب والفكر الإرهابي، والبدء بالحوار السوري السوري للتوافق على مستقبل سورية الديمقراطي. نحن متأكدون أن ما يدفعه شعبنا من أثمان باهظة لاختيار مستقبله السياسي الديمقراطي العلماني، المعادي للإمبريالية والصهيونية، وللفكر الإرهابي الإقصائي، لن يذهب هدراً، لكن مناطق سورية بأكملها باتت رهينة لممارسات الفكر الوهابي الأسود.. وتفجيراته ومذابحه، التي كان أحدثها مذبحة قرية معان قرب حماة، التي ذهب ضحيتها نحو 25 شهيداً.. لقد باتت مسألة مكافحة هذا الفكر مسألة لا تخص سورية فحسب، بل مسألة إنسانية ويتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأسره.

العدد 1105 - 01/5/2024