الدور الوظيفي للمملكة الأردنية في الأزمة السورية

للأردن خصائص جيوبوليتيكة ضاغطة على وجودها، فمع صغر مساحته التي لاتتجاوز نصف مساحة سورية، والتوزع الديموغرافي غير المتوازن، والموارد الطبيعية المحدودة، تبدو الأردن شبه معتمدة كلياً على المساعدات والقروض الخارجية. وخلال السنوات القليلة الماضية اقرض صندوق النقد الدولي للأردن مبلغ 2.38 مليار دولار، على 3 سنوات. كما قدمت دول الخليج للمملكة أيضاً، على مدى عدة سنوات 5 مليارات دولار، على شكل قروض ميسرة. وبحسبCongressional Research Service) ) قدمت الولايات المتحدة منذ منتصف القرن الماضي مساعدات إلى الأردن تقدر بنحو 13.8 مليار دولار، كما أن دول الخليج العربي دأبت بشكل مستمر على استثمار مواقف الأردن السياسية مقابل مساعدات مالية وقروض بنكية، إذ انه عقب بداية الأحداث في سورية عام 2011 تهافتت دول الخليج بعروض مغرية على الأردن لكسبه لصالح الحملة الدولية على سورية، بعد اقتراح وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم في جدة من نفس العام،منح الأردن ملياري دولار سنوياً، وعلى مدى خمس سنوات، مع وعود قوية بضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي (صحيفة العرب اليوم الأردنية 13 ايلول 2011).

من هنا نجد دور الأردن الملتبس نحو الأزمة السورية، إذا إنه لايستطيع التخلي عن المساعدات الغربية والخليجية، وهو بالوقت نفسه يعلم يقيناً أن نار الأزمة السورية ستطوله، إذ سبب التدفق المستمر للاجئين السوريين عقب اندلاع الأزمة السورية عام 2011 ضغوطاً اقتصادية وأمنية هائلة على المملكة الأردنية. وقدر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نيسان 2014 عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن حتى نيسان من العام 2014 بنحو 595 ألف لاجئ. وقد سبَّب هذا العدد الكبير من اللاجئين ضغطاً كبيراً على المشافي والمدارس الأردنية وشبكات الصرف الصحي ومياه الشرب، كما تسبب في ارتفاع إيجارات السكن بشكل كبير، خاصة في الشمال الأردني. وفي مقابل ذلك بدا المشهد الأمني على الأردن خطيراً، إذ أصبح معلوماً أن عدداً كبيراً من المقاتلين الإسلاميين المتشددين الحاملين للجنسية الأردنية قد دخلوا سورية للقتال مع التنظيمات الإسلامية خاصة جبهة النصرة. وهناك خوف لدى قوى الأمن الأردنية من عودة هؤلاء المقاتلين إلى الأردن والتسبب بمشاكل أمنية خطيرة. وسُجلت على مدى الأزمة السورية وبشكل متكرر، مناوشات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين قوات أمن الحدود الأردنية ومتسللين مسلحين على الحدود السورية الأردنية. وتنذر حالياً حرية حركة المسلحين في جنوب غرب سورية تحت غطاء لوجستي وعسكري من إسرائيل، بانفجار الوضع حتى داخل الأراضي الأردنية، خاصة أن البنية المعرفية والثقافية للمجتمع الأردني قابلة لتبني المفردات الإسلامية الأصولية. واستباقاً لذلك طمأنت الولايات المتحدة المملكة الأردنية إلى أن القتال في سورية لن يمتد إلى أراضيها. لذلك أرسلت الولايات المتحدة إلى الأردن عام 2012 بعد تطور الأزمة السورية، مجموعة من الخبراء العسكريين، وفي نيسان 2013 تم تدريب ومساعدة الجيش الأردني من قبل مختصين من الولايات المتحدة للدفاع وحماية حدوده مع سورية!. لكن هذا لم يمنع من بقاء الأردن الداعم الأساسي والوسيط لنقل الأسلحة وتدريب المقاتلين المعارضين للحكومة السورية، أو مايسمون بعناصر (الجيش السوري الحر)، وإرسالهم للقتال ضد الجيش السوري في جنوب سورية، مع معلومات عن نية الأردن قيادة عمليات ضمن أجزاء من جنوب سورية بشكل غير علني، عبر ذراع عسكري لها هو مجموعات المعارضة السورية المسلحة في أرياف درعا والقنيطرة، تمهيداً إلى إحداث تحولات عسكرية لاحقاً على صعيد طوق الغوطة الشرقية والغربية المحيطتين بدمشق. لكن مثل هذه الاستراتيجية خطيرة للغاية، حيث أشارت صحيفة المونيتور بتاريخ 16 كانون الأول 2013 إلى أن وكالة الاستخبارات الأمريكية قامت بتدريب مقاتلين سوريين في الأردن تحولوا لاحقاً إلى القتال في منظمات إرهابية.

وكمن يلعب على التناقضات، بقي الأردن رغم دعمه المكشوف للمجموعات المسلحة، على تواصل مع الحكومة السورية والتنسيق معها في بعض الأحيان، خاصة في إدخال مساعدات إنسانية إلى المدنيين في جنوب سورية بالتنسيق مع الحكومة السورية، والتعاون المشترك على بقاء معبر نصيب الحدودي بين البلدين مفتوحاً للشاحنات، وعدم السماح للمقاتلين المدعومين من الغرب والأردن بمهاجمته حفاظا على التبادل التجاري مستمراً. من ناحية أخرى تحايل النظام الأردني على المد الشعبي الأردني القومي واليساري المؤيد للحكومة السورية في قتالها ضد المسلحين، بالسماح لهم بإقامة المهرجانات والمنتديات، لعدم تطور تأثير هذه الحركة المؤيدة على بقية الشارع الأردني. أخيراً، يمكن توصيف الدور الأردني في الأزمة السورية على أنه دور وظيفي متعدد الأوجه،ودور خطير لصالح الغرب لايرقى إلى مستوى تحمل مسؤولية الحفاظ على مقدرات ومستقبل شعوب المشرق.

العدد 1105 - 01/5/2024