العلمانية منهج تفكير موضوعي

 العلمانية مصطلح مشتق من العلم، لذا فهي منهج تفكير يعتمد العلم أساساً في تفسير مجمل الظواهر الطبيعية والإنسانية والمجتمعية وتحليلها ، وفي كل مجالات الحياة.

غير أن هذا المصطلح أو النهج قد تعرّض ومازال يتعرض لانتقادات شديدة في المجتمعات العربية- الإسلامية والشرقية عموماً، أقلّها أنها تُبخّس الدين، أو أن أتباعها ملحدون لا يعترفون بوجود الخالق وقيمته، وذلك بهدف إلغاء تأثيرها في المجتمع القائم أساساً على المعتقدات الدينية وما تفرضه من قوانين وقيود على أتباعها الذين يمتثلون بشكل عفوي لما يمليه رجال الدين من أوامر وفتاوى تُبقيهم على سدّة التحكّم بمصائر البلاد والعباد.

في حين نجد أن العلمانية لا تعني الإلحاد، ولا تعني إطلاقاً منع الإنسان من ممارسة طقوسه الدينية، كما يروّج الإسلام السياسي وأتباعه، فالمجتمعات العلمانية مليئة بأماكن العبادة لمن أراد. لكن العلمانية ترفض بشكل قاطع استخدام الدين من قبل تجار الدين للتدخل في الشؤون العامة، تجنباً لتخريب العقول وتجميدها أولاً، ومن أجل سيادة السلم الأهلي والاجتماعي المفضي للأمن الوطني المطلوب في تنمية الإنسان والمجتمع والدولة.

فالعلمانية لا تقترب من الدين سوى بالمسافة التي تستدعي فصل الدين عن الدولة، كمنهج عملي تسير عليه الحكومات استناداً إلى دساتير وطنية تنص على تلك العلمانية الداعية إلى المساواة بين الجنسين من جهة، وبين جميع الطبقات والشرائح في المجتمع من جهة ثانية،إضافة إلى سن قوانين وتشريعات وضعية تتلاءم وتواكب التطور الإنساني والحضاري الذي وصلت إليه الأمم في كل أصقاع الأرض بعيداً عن التشريع الديني الذي من المفترض أن يبقى حالة خاصة ما بين الإنسان وخالقه، أي تأكيداً لمبدأ( الدين لله والوطن للجميع).

من هنا نستنتج أن جميع الدول العربية والإسلامية لا يمكن اعتبارها دولاً علمانية، بحكم استنادها في دساتيرها وقوانينها إلى التشريع والفقه الإسلامي كأحد أهم مراجع التشريع القانوني، إضافة إلى فرض دين رئيس الجمهورية الذي يستوجب الدستور أيضاً أن تكون زوجته عربية، وفي هذا تمييز واضح على أساس الدين والجنس. إضافة إلى سيادة العرف القبلي والاجتماعي في جميع هذه الدول على القوانين في كثير من مناحي الحياة كجرائم الشرف مثلاً، مما يعزز التخلف العلمي والاجتماعي اللذين يفضيان إلى تمييز اجتماعي – قانوني- ديني لا ضدّ المرأة فقط، بل ضد باقي شرائح المجتمع وأطيافه.

لذا، بات ضرورياً أن تلوذ الحكومات أولاً، ثم المجتمعات، بكل ما تحويه، بالعلمانية نهجاً ينقلنا من مستنقعات التخلّف إلى مصافّ الحضارة والرقي الذي يليق بكرامة الإنسان وإنسانيته.

العدد 1105 - 01/5/2024