تحليل في «رؤية المملكة السعودية 2030»(1)

 وافق مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي على مشروع طرحه وليّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ودعمه الملك السعودي الملك سلمان بعنوان (رؤية المملكة 2030). يهدف هذا المشروع إلى تقليص اعتماد المملكة على النفط، بمعزل عن ارتفاع سعره أو انخفاضه، والتعويض عنه بجملة من الخطوات أهمها:

– رفع نسبة القطاع الخاص من الناتج المحلي السعودي من 40 إلى 65 %.

– تخصيص قطاعات خدمية مملوكة من الدولة كالكهرباء والمياه، وتخصيص 5% من شركة أرامكو للاكتتاب العام.

– تفعيل بطاقة الغرين كارد التي تسمح بإقامة الأجانب لفترة طويلة في السعودية.

– بناء جسر الملك سليمان أهم معبر بري مُفترض في العالم، وسيسمح بحجم تبادل تجاري يقدر بنحو 200 مليار دولار.

 رافق الإعلان عن هذا المشروع حملة إعلامية ضخمة تقدمتها الصحف السعودية بمانشيتات رنانة:(السعودية الجديدة)- صحيفة الشرق الوسط، (السعودية تلبس قفاز التحدي)- صحيفة عكاظ، (سنفاجئ العالم…الوعد 2030)- صحيفة الاقتصادية السعودية، (وداعاً لإدمان النفط)- صحيفة اليوم.

استعرض وليُّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع تركي الدخيل على قناة العربية الجوانب الرئيسة من (رؤية المملكة 2030). من حيث الشكل حمل اللقاء لغة سعودية جديدة تميز فيها الأمير بظهور كاريزمي جيد، ومنهج واضح، وصراحة في طرح المشاكل بطريقة لم نعهدها من القيادات السعودية الرفيعة التي اشتهرت خطاباتها بالأخطاء اللغوية القاتلة، وضحالة الثقافة، وضعف التركيز والغموض النابع عن الجهالة.

لقد أظهر ولي ولي العهد استيعاب العائلة المالكة أن المملكة العربية السعودية تواجه تحديات اقتصادية مبطنة بتحديات اجتماعية خطيرة للغاية، وهو وإن ركّز على الجانب الاقتصادي، إلا أن مخاوفه كانت تلامس باستمرار الوضع الاجتماعي القلق والموقوت بالانفجار للمجتمع السعودي. حمل اللقاء أيضاً لغة جديدة غير معروفة في أدبيات الخطاب السعودي الجامد والمقفر، والحامي لمكاسب الأمراء وسطوة الطبقة الدينية، فقد ذكر مثلاً مصطلحات مثل (محاسبة شعبية) و(شفافية) وهي مصطلحات مغيّبة في الخطاب السعودي. كما أنه حاول فتح ثغرة في الجدار العقائدي الذي يحكم المجتمع السعودي، إذ ذكر مثلاً ( العمل على رفع متوسط عمر الفرد السعودي من 74 عاماً إلى 80 عاماً بحلول العام 2030). ومن البديهي القول إن تعبيراً مثل هذا يخرج تماماً عن الأصول الفقهية، ويناقض تماماً النص الإسلامي حول الحياة والموت.

وتَطرّقَ أيضاً إلى نية المملكة إنشاء أكبر متحف للآثار الإسلامية في العالم، والقيام بالتنقيب وتسجيل المواقع الأثرية على أراضيها في منظمة اليونسكو، والسماح بالسياحة من جميع الجنسيات. والمعروف أنه يحظر في السعودية مثل هذه الأعمال، خاصة التنقيب في المملكة، أيضاً لأسباب فقهية ودينية.

من حيث المضمون تبدو هذه الرؤية مليئة بالثغرات، وفي بعض الجوانب غير عقلانية. عُرف عن حاملها الأمير محمد بن سلمان أنه قائد حرب وليس قائد اقتصاد. هو مهندس حرب اليمن ومن أكثر المتحمسين لاستمرار النزاع العسكري في سورية والعراق. وأشارت العديد من الصحف الغربية مثل (الإيكونوميست) و(الفاينانشال تايمز) إلى أنه اشترى ذمم عشرات الأمراء السعوديين لتكريس منصبه، وأن ثروته زادت بشكل هائل بعد تعيينه ولياً لولي العهد. وهو بذلك لا يبدو مؤهلاً على الصعيد الشخصي لقيادة مشروع نهضوي كهذا.

أيضاً آلية طرح هذه الرؤية، إذ جاء الإعلان عنها وكأنها سقطت من السماء في غارٍ أو على جبل مقدس، في حين أن مثل هذا المشروع البعيد المدى والاستراتيجي يحتاج إلى مداولات فكرية وعلمية وأكاديمية وسوقية ومالية، من القواعد الشعبية مروراً بالجامعات والمراكز البحثية العلمية، إلى تحفظات رجال الأعمال والصناعيين وملاحظاتهم…الخ، وكل هذا لم يحصل ولن يحصل أصلاً، إذا إن القوانين الاقتصادية -الاجتماعية الحاكمة في السعودية غريبة وخاصة أن بعضها غير معروف عالميا، على سبيل المثال ميزات مالية تُمنح من ميزانية الدولة على اسم العائلة، أو حضور ما يقارب 30 ألف أمير موزعين على مختلف أرجاء المملكة تجانبهم العدالة والقوانين المدنية والإدارية. وهو وإن حاول، لا يمكن أن يصل هذا الأمير ثلاثيني العمر أو يقارن مع شخصيات أحدثت قفزات جذرية في مجتمعات بلدانها، كما فعل قادة بلدان نمور آسيا والبرازيل والإمارات العربية المتحدة.

نعتقد أن هذه الرؤية من حيث المقياس النظري واعدة، وسبيل هام لتحسين وضع المجتمع السعودي على كل المستويات. لكن المقياس النظري وحده لا يكفي، إذ إن إحدى الدول المجاورة للسعودية أطلقت منذ عقد من الزمن رؤية واعدة ايضاً، سُميت وقتذاك باقتصاد السوق الاجتماعي، قادتها ثلة من اقتصاديين انتهازيين وسياسيين فاشلين، ولم تؤدّ سوى لانقراض الطبقة الوسطى وتعميق الفساد وتدهور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ذلك البلد. إن رؤية (المملكة 2030) قد تحقق بعض النجاح لكنها في الإطار العام ستكون فاشلة. إن مثل هذه المشاريع النهضوية الكبرى تحتاج إلى العديد من المقومات، ليس أقلها بيئة مجتمعية تحمل الحد الأدنى من الممارسة السياسية، وبعيدة إلى حد كبير عن تأثير التيار الديني، وكلاهما مفقود في المملكة العربية السعودية.

العدد 1105 - 01/5/2024