في حوار مع صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية.. الرئيس الأسد: سورية ضد قتل الأبرياء

قتل المدنيين إرهاب.. وما حدث في فرنسا نتاج للسياسة الأوربية ومساءلة لها

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن سورية تقف ضد قتل الأبرياء في أي مكان في العالم، وأن ما جرى في فرنسا من أحداث أثبت صحة ما كانت تقوله سورية، وكان بمثابة المساءلة للسياسات الأوربية، لأنها هي المسؤولة عما حدث في منطقتنا وفي فرنسا مؤخراً، مشيراً إلى أن سورية كانت تقول للسياسيين الغربيين بأنه لا يجوز أن تدعموا الإرهاب وأن توفروا مظلة سياسية له لأن ذلك سينعكس على بلدانكم وعلى شعوبكم.

وقال الرئيس الأسد في حوار مع صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية، نُشر الأسبوع الماضي: عندما يتعلق الأمر بقتل المدنيين، وبصرف النظر عن الموقف السياسي.. والاتفاق أو الاختلاف مع الأشخاص الذين قتلوا.. فإن هذا إرهاب.

وأكد الرئيس الأسد ضرورة أن نفرق بين محاربة الإرهابيين ومكافحة الإرهاب.. إذا أردنا أن نتحدث عن الواقع الراهن.. علينا أن نحارب الإرهابيين لأنهم يقتلون الناس الأبرياء وعلينا الدفاع عن هؤلاء الناس.. هذه هي الطريقة الأكثر إلحاحاً وأهميةً الآن لمعالجة هذه القضية.. لكن إذا أردنا أن نتحدث عن مكافحة الإرهاب فهذه لا تحتاج إلى جيش.. بل هي بحاجة إلى سياسات جيدة.. ينبغي محاربة الجهل من خلال الثقافة.. كما ينبغي بناء اقتصاد جيد لمكافحة الفقر.. لأن مكافحة الإرهاب أشبه بمعالجة السرطان.. السرطان لا يعالج بشقه أو إزالة جزء منه.. بل باستئصاله كلياً.

وعن التغير الجذري في الموقف الأمريكي والغربي من سورية قال الرئيس الأسد:في الواقع، أنا لم أتغير على الإطلاق، لا أنا ولا سياساتنا ولا قيمنا أو مبادئنا. المشكلة مع الغرب- وهي ليست مشكلة جديدة- تتعلق باستقلال بلادنا.. خلال الفترة بين عامي 2008 و2010 كانت العلاقة جيدة لكنها في الحقيقة لم تكن مبنية على الاحترام المتبادل. على سبيل المثال، كانت فرنسا تريد من سورية أن تلعب دوراً مع إيران فيما يتعلق بالملف النووي. لم يكن المطلوب هو المشاركة في ذلك الملف بل إقناع إيران باتخاذ خطوات تتنافى مع مصالحها، فرفضنا ذلك. كما أرادوا منّا أن نتخذ موقفاً ضد المقاومة في منطقتنا قبل إنهاء الاحتلال والعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والبلدان المجاورة، فرفضنا ذلك أيضاً. أرادوا منّا أن نوقّع اتفاقية الشراكة الأوربية التي تتعارض مع مصالحنا وتحوّل بلادنا إلى سوق مفتوح لمنتجاتهم، بينما يمنحوننا جزءاً صغيراً جداً من أسواقهم. رفضنا القيام بذلك لأنه يتعارض مع مصالح الشعب السوري.

وأضاف الرئيس الأسد:

نحن نعاني من التطرّف منذ أكثر من خمسة عقود من الزمن. والإرهاب، بشكله الصارخ، ظهر في سورية في سبعينيات القرن العشرين. منذ ذلك الحين طالبنا بالتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. في حينها لم يكترث أحد لذلك. في الغرب، لم يكونوا على علم بهذه المشكلة. ولذلك كنّا مستعدين دائماً للمساعدة والتعاون مع أي بلد يرغب بمكافحة الإرهاب. لذلك السبب ساعدنا الأمريكيين، وكنا مستعدّين دائماً لمشاركة أي بلدٍ يسعى بإخلاص لمكافحة الإرهاب. لم ولن نغيّر موقفنا حيال ذلك أبداً، سواء قبل الأزمة أو خلالها أو بعدها. مشكلة الغرب أنه لم يفهم كيفية التعامل مع هذه القضية. اعتقدوا أن مكافحة الإرهاب شبيهة بلعبة من ألعاب الكمبيوتر، وهذا غير صحيح. تنبغي مكافحة الإرهاب عن طريق الثقافة، والاقتصاد، وفي مختلف المجالات.

وبخصوص موقف سورية من أحداث فرنسا الأخيرة أشار الرئيس الأسد إلى أنه عندما يتعلق الأمر بقتل المدنيين، وبصرف النظر عن الموقف السياسي، والاتفاق أو الاختلاف مع الأشخاص الذين قُتلوا، فإن هذا إرهاب. ونحن ضد قتل الأبرياء في أي مكان في العالم. هذا مبدؤنا. وعمّا إذا كانت سياسات الاتحاد الأوربي، أو الدول الأعضاء فيه، تغيّرت بشكل ما حيال سورية خلال العام الماضي أشار الرئيس الأسد إلى أن ثمة تغيّراً بطيئاً وخجولاً، لكنهم لا يعترفون علناً بأنهم كانوا مخطئين.

وعن السياسة الخارجية لجمهورية التشيك حيال سورية قال الرئيس الأسد: أستطيع القول فيما يتعلق بجمهورية التشيك إن علاقاتنا لم تكن جيدة جداً قبل الأزمة، لكن خلال الأزمة تبيّن أن لديها رؤية أوضح من غيرها. فقد كان ذلك لعدة أسباب، لكن السبب الأكثر أهمية هو أنه من خلال المحافظة على هذه العلاقات، بوسعها رؤية الأمور وتحليلها وفهم ما يحدث فعلاً، وبذلك تكون أكثر موضوعية من البلدان الأوربية الأخرى.

وعن الشروع بإعادة الإعمار أوضح الرئيس الأسد: في الواقع عندما تحدث حرب في أي بلد، فإن المجال الأكثر أهمية في الاقتصاد هو عملية إعادة إعمار البلاد. سيكون هذا هو الجزء الأكبر من اقتصادنا، وقد بدأنا بوضع الخطط للشروع في عملية إعادة الإعمار. ولا يتعلق الأمر بالبنية التحتية وحسب، بل يتعلق أيضاً بإعادة بناء الإنسان. لكني أتحدث الآن عن الاقتصاد.

وأضاف السيد الرئيس: لدينا خططنا بالطبع، وقد بدأنا ببعض المناطق التي تحققت فيها المصالحة وعادت الحياة فيها إلى طبيعتها. إنها خطة بعيدة المدى وستشمل مناطق مختلفة من سورية ألحق الإرهاب بها الدمار. فيما يتعلق بالبلدان التي يمكن أن تشارك في إعادة الإعمار، فإن العملية ستكون انتقائية ولن تكون مفتوحة للجميع.

وعن إجراء المصالحة في سورية وهل سوف تنجح قال الرئيس الأسد: لحسن الحظ، إنك تطرحين هذا السؤال في وقت نجحت فيه جهود المصالحة في العديد من المناطق، ونحن لا نتحدث عن شيء خيالي أو مجرد أمنيات. لقد حدث هذا في الواقع. في البداية كان السؤال الذي طرحناه على أنفسنا هو السؤال نفسه الذي تطرحينه الآن. هل سننجح؟ هل يمكن للناس أن تنسى العداوات والدماء؟ هذا أمر ليس بالسهل، ولم يكن سهلاً في البداية، خصوصاً عندما يكون مع جماعات مختلفة، بعضها متطرف يرفض هذه المصالحة، ك(جبهة النصرة) و(داعش) في بعض المناطق. وقد نجحت هذه المجموعات فعلياً في إفشال هذه المحاولات. أما في مناطق أخرى حيث أصرّت أغلبية المجموعات على تحقيق المصالحة، فإن المصالحة نجحت وتمكّنت المجموعات المنخرطة فيها من إخراج المجموعات المعارضة لها من مناطقها. إذاً، جوابي هو أن العملية نجحت، وأن الأبواب مفتوحة أكثر من أي وقت مضى للمزيد من المصالحات، وبمرور الوقت ستنضم أعداد أكبر من السوريين إلى المصالحة وستدرك أعداد أكبر من السوريين أنه لا يمكن الاستمرار في ذلك الاتجاه، إلا إذا كنّا نريد تدمير مجتمعنا وأنفسنا وبلدنا بشكل كامل.

وعن التوقعات من حوار موسكو وموقف سورية من المبادرة الروسية قال الرئيس الأسد: برأيي الموقف الروسي هو دعم سورية في حربها ضد الإرهاب، وهذا أمر مهم، وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام مسار سياسي، وموقفنا يتطابق مع هذا الموقف وهو أننا لا نرغب بإضاعة أي فرصة سياسية، وهذا ما نحاول فعله، وإذا نجحنا فهذا أمر جيد.

وعما إذا تمكنت روسيا والولايات المتحدة من التوصل إلى أرضية مشتركة وتمكنتا من الاتفاق على شيء ما، فهل سيكون الأمر إيجابياً؟ أكد الرئيس الأسد أن أي علاقة جيدة بين روسيا والغرب، وبشكل أساسي الولايات المتحدة، ستنعكس إيجاباً على هذه المنطقة، خصوصاً في هذه المرحلة، وبالأخص فيما يتعلق بسورية. لكني أود القول إن الحل ينبغي أن يأتي أولاً وقبل كل شيء من داخل سورية. ثانياً: إذا أردنا التحدث عن العلاقات الدولية وآثارها، فإنها بحاجة للجدية. فعندما نتحدث عن الأرضية المشتركة، ما طبيعة هذه الأرضية المشتركة، ما مدى جدية الولايات المتحدة في محاربة (داعش)؟ حتى الآن ما تقوم به هو عمليات تجميلية، في حين أن الروس مصممون جداً على محاربة الإرهاب. وفي السياق نفسه، ما مدى جدية الولايات المتحدة في التأثير على تركيا وقطر والسعودية – وهذه الدول ليست حليفة للولايات المتحدة بل هي دمى في يدها – ما مدى النفوذ الذي ستمارسه الولايات المتحدة عليها لوقف تدفق المال والسلاح والإرهابيين إلى سوري؟ ما لم تتم الإجابة على هذه الأسئلة لا يمكن التوصل إلى هذه الأرضية المشتركة. حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تمارس ألعاباً وتمارس لعبة الانتظار. ولا نرى وجود هذه الأرضية المشتركة. الروس يحاولون ما بوسعهم لإيجاد هذه الأرضية المشتركة لكني لا أعتقد أن الأمريكيين سيستجيبون لهذا الجهد بطريقة إيجابية.

العدد 1107 - 22/5/2024