«وطني سماؤك حلوة الألوان»

 الوطن هو الرحم الأول للحياة.. والصرخة الأولى معلنة رفض الابتعاد..

هو الصورة الأولى المتجذّرة في الوعي والوجدان.. والذاكرة المتشبثة أبداً بكل لحظاته وتاريخه وحضوره في الزمان..

هو مساحة الأمان والأحلام والآمال نرسمها بعمق انتمائنا وانسياب تغلغله في نسغ حضورنا وكياننا المعمّد بترابه ومائه والسماء..

هو ملاذنا في لحظات الحزن والخوف والقهر.. ودِثَارنا في لحظات ارتعاش عُرينا في زمن البلاء والدمار..  

هو ملاذ الفقراء والمضطهدين والمقهورين والمستضعفـين الذين لا مال لهم ولا سـلطة ولا سطوة سواه.. فهو ثروتهـم وكنوزهم المخبأة في قـلوبهم والصدور..

وهو توهّج الحنين والاشتياق لصور متجذّرة في ذاكرة مغتربين ومهاجرين وقلوبهم، فهؤلاء رحلوا بحثاً عن مجد علم ومعرفة.. وربما سعياً وراء ثروة مال وجاه.. مثلما هو الصورة الأولى والأخيرة العالقة دوماً في ذاكرة مهجّرين وأرواحهم، مرغمين على الترحال بحثاً عن أمان مفقود وسلام منشود..

ليس الوطن صكّ ملكية لأحد.. ولا هو حديقة يُمنع دخولها إلاّ للمرغوب فيهم والمريدين..

وليس الوطن مجرد هوية ووثيقة وجواز سفر.. ولا هو سطوة وجاه ونفوذ..

الوطن لكل أبنائه الصابرين أبداً على الوجع والقهر والفقر والحرمان.. ولأولئك الذين كانوا قرابين حرب مجنونة أطاحت بكل ما يملكون حتى غدا الوطن بالنسبة لهم خيمة أو دار إيواء خالية وخاوية من كل إنسانية واحتواء.. فاختاروا الهجرة مرغمين مقهورين.. أولئك الذين سينتظرهم الوطن بكل الشوق وطغيان مرارة الغياب..

فالوطن إذاً هو أولاً وأخيراً لأولئك المتشبثين به حتى النفس الأخير، بلا سعي وراء مجد أو ثروة أو جاه..

الوطن لكل السوريين بانتماءاتهم المتنوعة التي لوّنت سماءه بألوان قوس قزح..

فهل يمكننا أن نتلمس حدوده بوديانه وأنهاره وجباله وسواحله.. وبكل ذرة تراب تهبنا الخلود والأمان..؟!

العدد 1107 - 22/5/2024