الالتزام الدستوري للأحزاب السـياسية

 للشباب دور هام في بناء الأوطان باعتبارهم الشريحة الأكبر في المجتمع، فهذه النخبة والكوادر الشابة، بما تحمله من فكر حضاري وطموح وعزيمة للوصول إلى مستقبل مشرق، يقع على كاهلها بناء الدولة الحديثة القائمة على الديمقراطية والعدالة والحكم الرشيد، والتي تتطلع إليها مختلف شرائح المجتمع دون إقصاء أي طرف، فهذه النخبة الواعية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً تستطيع أن ترتقي بالدولة إلى مصافي الدول المتقدمة المتحضرة، عن طريق تقبل الرأي والرأي الآخر والتعايش السلمي والمواطنة المتساوية بين مختلف مكونات المجتمع.هذا ما يساهم في صناعة القرار السليم وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن السيادة للدستور وقوة القانون متخذين من الإنسان غاية للمحافظة على قيمه وكرامته الوطنية.

وتعتبر الأحزاب السياسية من نتاج هذه النخب الشابة التي تتولى مهمة البناء وقيادة مؤسسات الدولة القوية، لتحقيق العملية الديمقراطية اعتماداً على مبدأ سيادة الشعب التي شكلت عاملاً فعالاً لاستقرار عملية التطور ونجاحها داخل المجتمع. فالحزب السياسي هو تجمّع سياسي منظم بهيكلية تنظيمية وظيفية، لديه مشروع سياسي للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات، لتحقيق أهدافه في خدمة المجتمع أو ليمارس دوره كمعارضة في الانتقاد البناء. وهذا ما احتاج إلى تعددية سياسية.

وقد حدد الدستور الحالي لـ(عام 2012) النظام السياسي للدولة في المادة الثامنة منه: (1- يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة ديموقراطياً عبر الاقتراع-2- تسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية.. إلخ).

جاءت المادة الثامنة من الدستور السوري لتعزز دور قانون الأحزاب الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 100 لعام 2011 الذي وضع الأسس التشريعية والقانونية الناظمة للحياة السياسة والتعددية الحزبية وتفعيل الحراك السياسي للمشاركة الصحيحة في إدارة الدولة وإعادة الاعتبار إليه ومصداقيته، للانتقال إلى دولة ديمقراطية علمانية تقدمية تقوم على أساس المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وبذلك يتحقق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ويمكن الحد من مستوى الفساد والمحسوبية والجهوية وغيرها وذلك بالتقيد بقواعد ومبادئ الديمقراطية والشفافية.

والتعددية السياسية رسخت مبدأ حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري التي نص عليها أيضاً الدستور السوري في المادة التاسعة منه.وعلى هذه الأحزاب أيضاً أن تتبنى رؤية الدستور في الحقوق والحريات التي نص عليها في المادة 33 منه باعتبار الحرية حقاً مقدساً والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وإرساء مبدأ المواطنة ومبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.  وقد أعطى الدستور أيضاً في المادة 34 منه الحق لكل مواطن في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لهذا، ولتأسيس أي حزب عليه الالتزام بأحكام الدستور ومبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام الحريات والحقوق الأساسية والإعلانات العالمية وحقوق الإنسان والاتفاقيات المصدق عليها من قبل سورية.

هذه التعددية السياسية التي نص عليها الدستور الحالي سبقتها الجبهة الوطنية التقدمية بتحقيق ذلك لاحتوائها أكثر من حزب، فهي فكرة قديمة في الحياة السياسية السورية وتمثل الوحدة الوطنية، وتعبر عن تيارات سياسية ووطنية واسعة أعطت صورة حضارية لسورية، وذلك بالالتزام بالدفاع عن استقلال الوطن ووحدته وصون الوحدة الوطنية واحترام الدستور ورفض العنف والإرهاب بمختلف أشكاله والتطرف والعنصرية والتمييز بين المواطنين لأي سبب كان، والتزام مبدأ التعددية السياسية في الفكر والرأي والتنظيم واحترام حقوق وحريات المواطنين والمساواة المطلقة والشاملة بين الرجل والمرأة.

فكلما التزمت الأحزاب في نشاطها السياسي دستورياً، أسهمت في بناء السلطة التنفيذية وأحكمت أداءها في إدارة شؤون الدولة والشعب، وبهذا يكون الالتزام الدستوري للحزب السياسي علامة مهمة ومؤشراً على النجاح الدستوري للعمل الحكومي في جميع المجالات، بعيداً عن الفساد والرؤية الضيقة وإعطاء أعضاء الأحزاب الحرية في التفاعل والمشاركة وصنع القرار.

لذلك على الأحزاب التي تريد أن تكسب جماهير عليها التمسك بالقانون وتطبيق الدستور ابتداء من نفسها والابتعاد عن المناكفات السياسية والحزبية بين أعضاء هذه الأحزاب، التي تؤدي إلى تطرف وعنف وعدم استقرار. وأيضاً للخروج من الأزمة الراهنة التي أثرت سياسياً واقتصادياً وأمنياً ومعيشياً على المجتمع برمته، من أجل الوصول إلى مستقبل مشرق قائم على السلام والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وعلى المجتمع المدني والمنظمات والاتحادات بناء جيل متمكن قادر على مواكبة عجلة التنمية والوقوف ضد خطر العنف والإرهاب والتكفير والتخوين.

 

العدد 1105 - 01/5/2024