الذئاب المنفردة وتغيّر الصورة النمطية للإرهابي

(الذئب المنفرد) مصطلح يرمز إلى الرجل المتكامل من حيث التدريب والمهارات والخبرات التي تمكنه من أن يتحرك وحده وبسهولة لتنفيذ عمليات أمنية بالغة الخطورة والحساسية، حيث يكون احتمال وقوع الخطأ في تنفيذ المهمة ضئيلاً، واحتمال اكتشاف الجهة التي خططت لذلك في حال نجاح المخطط أو فشله يكاد يكون معدوماً، ذلك أن العقل الأمني الذي أوجد هذه النوعية أدرك أن الخطأ الذي يرتكبه أحد أفراد المجموعات التي تنفذ العمليات السرية قد يؤدي لسقوط المجموعة كاملة وقد تؤدي إلى أزمات دولية لا لزوم لها… أما أخطاء الفرد الذي يعمل وحيداً فهي تنعكس عليه وحده، ويسهل إنكار العملية في حال فشلها وإلقاء القبض على منفذهاأو قتله.

ويمتاز الذئب المنفرد بالخصائص التالية: مظهر الإنسان العادي الذي تصادفه يومياً في حياتك، على قدر عال من اللياقة البدنية ومتقن لفنون قتال الشوارع وتكتيكات القتال بالسلاح الأبيض من أجل الحماية الشخصية، خبير في مجال الحاسوب والإنترنيت، على علم واسع بأساليب الرقابة والتتبع وكسر الرقابة وملاحظتها وما شابه. مدرب بشكل عال جداً على استخدام جميع صنوف الأسلحة وإعداد المتفجرات. وهو شديد الحماس للفكر الذي يعتنقه ولا يحتاج إلى توجيه مباشر، إنما يستشعر التوجه من خلال الأحداث والأخبار، فينطلق لدعم جماعته عبر عمليات تفجير عشوائية إن عجز عن الوصول إلى أهداف رئيسية، ويسعى إلى إسقاط أكبر عدد من الضحايا. لذلك يستحيل رصد الذئب المنفرد، فهو لا يخضع لسلسلة أوامر وترتيبات، بل يكون فعله أحياناً مجرد رد فعل على حدث ما، فيعدّ قنبلته ويرتدي حزامه ثم يفجر نفسه في أقرب نقطة يستطيع الوصول إليها، أو ينفذ عملية ما تترك أثرها في الرأي العام الدولي كما حدث في تفجيرات بوسطن أو عملية (شارلي إيبدو) في باريس.

ترافق انتشار مفهوم الذئب المنفرد في الإعلام العالمي مع بدء التداول بمصطلح (التشدد الذاتي) الذي يهدف إلى (شيطنة) سكان الشرق الأوسط، وهو وليد طموح قديم للمحافظين الجدد الذين يعتبرون سكان هذه المنطقة حاملين لفيروس الإرهاب الأمر الذي سيبررون به حربهم عليها. والذئاب المنفردة قد تكون تتويجاً لمشاريع سرية استخدمتها الحكومة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين استدرجوا فيها بعض الحمقى من ذوي السوابق أو من لديهم ميول للعنف حيث تم إخضاعهم لعمليات غسل دماغ تستعمل فيها حبوب الهلوسة كتلك التي كشفت عنها جريدة (النيويورك تايمز) سنة 1974 فيما بات يعرف بفضيحة مشروعMK-Ultra) )، الذي تورطت فيه الاستخبارات الأمريكيةCIA) )، وشاركت فيه أكثر من ثلاثين مؤسسة للدراسات والأبحاث أميط اللثام عنها بعد إنشاء لجنة تقصي داخل مجلس الشيوخ الأمريكيChurch committee) ). وتطور هذا المفهوم على يدي أليكس كورتيسوم وتوم ماتزغار، في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وحددا تعريفه بأنه: عمليات منفردة لعدد محدود جداً من الناس يقومون فيها بتحديد الأهداف والتوقيت والمكان بشكل يبدو مجهولاً وغير مرتبط بقيادة مركزية.

ظاهرة الذئاب المنفردة أعادت النظر بالصورة النمطية للإرهابي ودوافعه، فكثيرًا ما يتم الربط بين الإرهاب والفقر ونقص التعليم، ويستند هذا الربط على منطق أن الجهل يأتي من رحم الفقر، فالفقراء لا يُلحقون أبناءهم بالمدارس، بل يُسارعون إلى دفعهم لطلب الرزق، وهو ما تنتج عنه في النهاية أجيال تفتقر إلى التعليم الكافي، وهو ما يجعل هذه الأجيال أكثر عرضة للتأثر بما يُمارَس عليهم من عمليات (غسل المخ)، فالحرمان الناتج عن الفقر واللا عقلانية الناتجة عن الجهل تجعلهم يتقبلون الأفكار الخرافية والمتشددة.

أما الصورة الثانية فهي إن المرأة تلعب دور الكومبارس في النشاطات الإرهابية، لكن ثبت من التحقيقات الأولية حول عملية (شارلي إبيدو) أن النساء قد تخطين دورُهن من مجرد الدعم أو الدعاية أو التجنيد، إلى القيادة والمشاركة الفاعلة في التخطيط والتنفيذ للعديد من العمليات الإرهابية.

أخيراً، إن عمليات الذئاب المنفردة تُنفذ بأمر مجموعات إرهابية وفق مخططات مسبقة، لكن ثبت أن العديد من الهجمات التي تقوم بتنفيذها الذئاب المنفردة هي دون قيادة أو تنظيم، حيث يعتمدون على أساليبهم الخاصة في تنفيذ العمليات التي يقومون بها دون أن يخضعوا لتوجيهات خارجية.

ظاهرة الذئاب المنفردة بدأت تُشكل خطراً على أمن وأمان دول العالم، فهي تعمل على استنزاف الدولة من الداخل اقتصادياً عن طريق زيادة نفقات الأمن وتًهدد بعسكرة المجال العام في الدولة، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى التدخل المباشر للجيش في السياسة والداخلية وما قد يترتب عليه من إعادة إحياء المكارثية من جديد، ونشوء إرهاب مضاد لحريات الأفراد وخصوصياتهم قد يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في الدول ذات التركيبة السكانية المتنوعة من حيث الدين أو العرق أو القومية.

العدد 1105 - 01/5/2024