الأسعار… ليست مسألة اقتصادية فحسب بل هي اجتماعية أيضاً!

هذا ما كنا وما زلنا نقوله.. ونكتبه.. على صفحات (النور).. صحيح أن السعر يدخل في صلب العملية الاقتصادية محرضاً للإنتاج، والتوزيع، والربح، لكنه يؤدي أيضاً وظيفة اجتماعية تهمّ جميع الفئات الاجتماعية، وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة، التي تُعد المحرض الرئيسي على الطلب وزيادة الإنتاج، واستقرار الأوضاع الاقتصادية.

سورية خلال العقود الماضية، وقبل أن تستبيحها الليبرالية الاقتصادية الجديدة في مطلع القرن الحالي، أدركت الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها الأسعار، وعملت على دعم الجماهير الشعبية عن طريق فرض السعر الإداري لحزمة من المواد والسلع التي تهم الفئات الفقيرة والمتوسطة، رغم أن هذا الإجراء يعد إجراء مكروهاً في نظر الاقتصاديين (الأكاديميين).

مع سيطرة مفاهيم السوق الحر منذ عام ،2000 وفرض رؤية اقتصادية تنسجم مع توصيات الصناديق والمصارف الدولية ونصائحهم، أخذ مفهوم السعر الاجتماعي يتراجع لصالح دوره الاقتصادي المحفز الذي يلبي مصالح المنتجين والتجار فقط، وراح مهندسو الاقتصاد السوري في العقد الماضي يقلّصون تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ويقلصون حجم الدعم الاجتماعي للجماهير الشعبية، وروجوا لمبدأ عدم التدخل في تحديد الأسعار، وألغوا جميع القوانين التي تسمح للحكومة بالمساهمة في تحديد التكاليف والأرباح، وبالتالي الإشراف على الأسعار.

ودخلت الجماهير الشعبية بعد ذلك في دوامة العوز والفقر، بعد أن تخلّت الدولة عن انحيازها لغالبية أفراد الشعب، لصالح الفئات الثرية والرساميل الريعية.

واجهت سورية أزمتها المركبة، التي انعكست تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على حياة المواطنين المعيشية انعكاساً مؤلماً، بهيكلية اقتصادية هشّة، فاقمت أزمات الفقراء.. ورغم جميع الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة لضبط الأسواق في هذا الزمن الصعب، لم يشعر المواطن بأثر هذه الجهود، بل ازدادت أزماته تفاقماً!

في بلداننا النامية، وفي سورية التي تعاني أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس لمفهوم السعر المجرد هذه الجاذبية، فالمسألة الآن تتعلق بحياة ملايين السوريين، ولابد أن تذهب جهود الحكومة في اتجاه المفهوم الاجتماعي للسعر، إضافة إلى أهميته الاقتصادية..

وبكلمة واحدة: لا يجوز الآن، ولا بأية ذريعة، تقليص الدعم الاجتماعي، ولا ينبغي تجاهل الأثر الاجتماعي للأسعار!

العدد 1105 - 01/5/2024