قراءة في ديوان «غزل الصقور» للشاعر محمد خالد الخضر

مَن ذا في هذا العصر يتصدى للظواهر السلبية التي تنال من إنسانيتنا وما أكثرها، كظاهرة تشيّؤ الإنسان على سبيل المثال لا الحصر، سوى الفنانين والشعراء!؟

صدر مؤخراً عن دار الشرق للطباعة والنشر ديوان (غزل الصقور) للشاعر محمد الخضر وقدَّمَ له الدكتور نبيل طعمة.. وتنوعت موضوعاته لتشمل الحب العذري والقضايا الوطنية وبعض الممارسات الاجتماعية، وهيمن المذهب الرومنسي على تلك النصوص من حيث أنها تركز على مخاطبةِ وجدان المُتلقي، وكما هو معروفٌ عن هذا المذهب أنه أدب السيرة الذاتية الذي يسجل ويوثق الشاعر من خلاله آماله وتصوراته وتجاربه الشعورية وكآباتهِ ومنظورهُ إلى الواقع.. وقد جاء في قصيدة (الشاعر الفارس أمام عينيكِ):

عيناكِ أم هذه الدنيا لها نظمُ

وكنتُ في غربتي ينتابني حُلمُ

أعفّ حتى رأيتُ الكون منطبقاً

على وباءٍ وما لي عندهُ قدمُ

كانت سرائرُ أهل الدارٍ تائهةً

وقفاً على جذوة تهوي وتعتصمُ

جاءت بعض القصائد في نطاق السهل الممتنع، بينما اتسمت أخرى بالجزالة والتنوع على صعيد النسيجين الموسيقي والبياني (التخييل)، فانسابت الأبيات موسيقياً وانسابت منعكساتها في مخيلتنا بكل سلاسة لترسم مشاهد ريفية تجسدت فيها المعاني الإنسانية، فقد جاءت القصائد كبوحٍ شفيفٍ جريء لإنسانٍ عربي أصيل استنبتَ في مشهدية قصائدهِ مفرداتٍ تدل على الأصالة والحرية والإباء وكل ما تربى عليه العربي الأصيل في عصر نهضتهِ (الحصان، الجبل، الصقر) لتعود تلك المفردات لتستنبتَ في نفس الشاعر والمتلقي دلالاتها في دائرةٍ من التغذية الراجعة، ذلك أنها تنهض بالمشهدية التي حوتها القصائد لترجعنا إلى أصل الأمور، فتعري مفرزات التآمر والعولمة.

ورغم أن النصوص القصيرة تعتبر مجازفة من حيث أنها قد لا تصل بالقارئ إلى التشبع بالحالة الإنسانية التي تتناولها أو القضية التي تطرحها إلا أن الشاعر محمد الخضر آثر أن تكون معظم قصائد الديوان قصيرة، ونجح باعتقادي في مدّ الجسور بين وجدانه ووجدان المتلقي ببلاغة وإيجاز، وذلك ينم عن كونه شاعراً متمكناً من أدواته ويمتلك وضوح الرؤيا، ويعي تجربته الابداعية، فليس المهم كم التجربة وإنما التشبع بها وهذا مايؤهل المبدع لتجاوز منجزهِ إلى ابداعٍ أرقى.

من قصيدة أغنية (الوفاء المهاجر)

ويمضي في الأنام دنيء قومٍ

وكل نقائض الدنيا سواء

إذا ارتفع الوضيع إلى مقامٍ

وخاب أمامنا ذاك الرجاءُ

وصار الصقرُ يبحثُ عن مكانٍ

فلا مأوى إذا خان الفضاءُ

يطرح الشاعر محمد الخضر مسألة الحب كقيمة إنسانية لا تُجزّأ فنرى حب الوطن وحب المرأة يتجاوران في الكثير من قصائدهِ. وعمد الشاعر أيضاً إلى إسقاطات من الماضي على الحاضر كما في قصيدة (الشاعر الفارس أمام عينيكِ) فأحياناً نحتاج إلى عالم موازٍ كي ندرك حقيقة قضايا الواقع.. ولكن يؤخذ على معظم القصائد عناوينها السهلة الكاشفة التي تصادر قِسماً من الرحلة التي يأخذنا فيها النص.

وفي الختام أودُّ أن أشير إلى أنَّ النقاد في العصر الحديث وفي شتى الميادين تنبهوا إلى أن أهمية الذات الإنسانية المُبدعة تفوق أهمية مُنجز ابداعي ما، فالذات الفريدة صاحبة المنظور الفريد هي منبع الإبداع المُفارق الذي يدير عجلة التجديد.. يقول بابلو بيكاسو:

(يصور المصور كما لو كانت هناك حاجة ملحة تدفعه إلى أن يخفض من إحساساته ورؤاهُ). أي أن ذروة الإحساس مكانها الذات البشرية، أما المنُجز الفني مهما كان متميزاً فيبقى حالة خفيضة عن الجمال المختزن في تلك الذات.. ولعل ديوان (غزل الصقور) يشي بأن مؤلفهُ نشأ نشأة متميزة وربما حظي بطفولة مميزة على الصعيد التربوي، فهذه الذات الشاعرة العربية الأصيلة التي تطل علينا من بين صفحات الديوان تشعر بالاغتراب في هذا الواقع الذي تشوّه إنسانهُ فتحنظل كلُّ ما فيه.

العدد 1107 - 22/5/2024