اعتداء تركي… وإسرائيل جاء دورها

الأمريكيون يتحضرون للتصعيد..

والسوريون محكومون بالتوافق والمصالحة الوطنية

لم تكن الإدارة الأمريكية (الديمقراطية) بحاجة إلى الأزمة الأوكرانية، ولا إلى الهموم الاقتصادية الداخلية والهجوم الجمهوري الممهّد لسباق الحزبين الوحيدين على قيادة القطب الذي لم يعد وحيداً، كي تضع المسألة السورية على الرفّ، كما ظن البعض.. فالأزمة السورية مازالت في صلب الاهتمام الأمريكي، خاصة بعد سقوط مواقع الإرهاب في سورية واحداً تلو الآخر.. كذلك فإن غياب الشؤون السورية عن تصريحات كبار المتحدثين الأمريكيين خلال الأسابيع الماضية ليس استراحة محارب أضناه التعب، بل هو حسب اعتقادنا مقدمة لسلوك أمريكي بديل، يجري التحضير لاعتماده، بعد نجاح القوات المسلحة السورية في حربها ضد الإرهابيين، وبعد أن رفع بوتين عصاه الغليظة في وجه المتدخلين الأمريكيين في أوكرانيا، وبعد أن حسمت السعودية مسألة  الزعامة الخليجية التي كانت مثار جدل، إثر طموح القطريين إلى (التسلل) في العمق الخليجي.

ثلاثة متغيرات ستقود الولايات المتحدة التي اتسمت بابتعادها عن الواقعية السياسية إلى سيناريو مختلف يلخص نصيحة صقور الجمهوريين للرئيس أوباما: (إذا خسرتم نفوذكم في المسألة السورية وانتصر الأسد، فعلى المنطقة السلام)!

العنصر الجديد (القديم) في السيناريو الأمريكي القادم هو إسرائيل.. التي لم تظهر في الصف الأمامي، لكنها كانت موجودة في المشهد السوري، فهي حسب تقديرات الخبراء الأمريكيين، قادرة على إعادة (التوازن) إلى أرض المعركة بعد اختلاله لصالح الجيش السوري، وهي بعد تفاهمات وربما اتفاقيات مع حكام السعودية، قادرة على تشتيت جهود القوات المسلحة السورية، والسماح للمجموعات الإرهابية ب(التنفس)، وتلقي المساعدات العسكرية واللوجستية الأمريكية التي ستأتي- على عكس ما توقع بعض المتفائلين بعودة الوعي لقادة العثمانيين الجدد- من تركيا تحديداً، إضافة إلى المعبر الأردني اليومي.

أوباما سينسق السيناريو الجديد خلال زيارته إلى السعودية، وزيارته الأوربية، واجتماعه بالزعماء الأوربيين لحشد تأييدهم لتصعيد مرتقب ضد روسيا التي همشت تحذيراته وعقوباته، ورفضت تدخلاته وتدخلات حلفائه في الأزمة الأوكرانية.

أما أردوغان المتورط وحلفاءه في فضائح فساد زكمت رائحتها أنوف الجميع، فقد مهد لحملته الانتخابية بتقديم التسهيلات والمساندة العسكرية المباشرة للعصابات التكفيرية التي تسللت من المعبر التركي المحاذي لمنطقة كسب، وفق خطة تركية لإعادة الثقة للإرهابيين بعد هزائمهم المتتالية.. وجاء إسقاط الطائرة الحربية السورية التي كانت تدك مواقع هؤلاء المتسللين داخل الأجواء السورية بعمق 7كم، لتؤكد لمن توقع تعديلاً في السلوك التركي، أن (ذيل الكلب أعوج)، وأن أردوغان وبطانته مازالوا يطمحون إلى تحقيق أوهامهم ببعث انكشاريتهم، لكن الشعب التركي الذي نزل إلى الشوارع منادياً بسقوطه، سيكون له كلام آخر في الانتخابات القادمة.

السوريون لم يفقدوا الأمل في نجاح المساعي الدولية لإنهاء أزمتهم، رغم أنهم أصيبوا بالإحباط بعد المناورات الأمريكية البهلوانية، والإصرار السعودي على التورط أكثر فأكثر في سفك الدم السوري، لكنهم أحوج ما يكونون اليوم إلى رص صفوفهم، وتحصين القلعة السورية المعادية للإمبريالية والصهيونية والرجعية السوداء.. ولمدّعي تمثيل الشعب السوري من معارضي الخارج المأجورين الساعين إلى بيع الجولان مقابل الكرسي. والسبيل إلى هذا التحصين، أكدناه مراراً على صفحات (النور)، وهو تلاقي جميع المكونات السياسية والاجتماعية والدينية في حوار وطني شامل.. مفتوح، للتوافق على الغد السوري، والوقوف معاً خلف المتراس للدفاع عن سوريتنا في المقام الأول.

وزير الخارجية وليد المعلم كان قد أعلن عن جهود حكومية باتجاه الإسراع في عقد الحوار السوري، بمشاركة الأحزاب الوطنية السورية، والمطلوب الآن أن تتحول الأقوال إلى أفعال، خاصة أن المبادرة الحكومية لحل الأزمة، تؤكد أولوية الحوار الوطني السوري- السوري.. وأن يمهد لهذا الحوار بحزمة إجراءات تعيد أجواء الثقة إلى صفوف جميع القوى السياسية، وبضمنها قوى المعارضة الوطنية، وتصلّب صمود جماهير الشعب السوري، وفي مقدمتها إطلاق سراح معتقلي الرأي والموقوفين على خلفية الأزمة ممن لم يحملوا السلاح، والإسراع بإحالة من وجهت له الاتهامات إلى المحاكم المختصة للبت في الأمر، والعمل لتخفيف الأزمات المعيشية التي أرهقت المواطنين.

الغد السوري لن يكون إلا ديمقراطياً.. علمانياً.. معادياً للظلاميين.. فلنعمل لأجله بالسعي لإيقاف نزيف الدم، والذهاب معاً إلى المصالحة الوطنية الشاملة، فلن يأتي الفرج إلا من الداخل.. من إرادة شعبنا.

العدد 1105 - 01/5/2024