أصوات الطلبة مسموعة

 جامعة دمشق، الصرح العريق الذي يعود لأكثر من 112 عاماً، والذي تأسس على يد عمالقة العلم والمعرفة، وشُيّدَ رغم كل الظلم حينذاك، ورغم الاستعمار الذي كان يضطهد أي نور ينبثق من بلاد الشام…

1903 هو تاريخ لبداية نشوء جامعة العراقة والعلم، والدكتور رضا سعيد هو المؤسس الأول… مرّت جامعة دمشق بمراحل كثيرة، فبدأت بفروع قليلة كالطب والحقوق، وكانت الأولى في الوطن العربي التي تدرّس باللغة العربية.

تعددت الفروع مع الزمن، وتنوعت الاختصاصات، وصارت جامعة دمشق تستقبل آلاف الطلاب سنوياً، ويتألف كادرها من عناصر وأكاديميين مرت معهم جامعة دمشق بمراحل تطور وازدهار، إلى أن اغتالت الحرب ذروتها، فبدأت كوادرها تتسرب من العمل إما للهجرة أو تغيير مكان الإقامة، بالتزامن مع نزوح بعض الطلاب من محافظاتهم ملتجئين لإكمال علمهم في دمشق، ما أثر ذلك مجتمِعاً على القيمة التي تقدّم في ظل نقص الكوادر وكثرة الطلاب، فقد ضاعت الذروة وأخذ المؤشر البياني يتأثر بما حوله من حربٍ وفسادٍ وتزويرٍ للشهادات السورية (بواسطة عملاء من خارج القطر في معظم الأحيان)

 ومع هذا، ما زالت جامعة دمشق صامدة بوجه كل الظروف، مكملةً مسيرة العلم داخل كلياتها كافةً، محاولة جمع ما قد كُسر… لذا كثرت الشكاوى على أعضاء الهيئة التدريسية والمواد الامتحانية التي لا ينجح فيها الطالب بسهولة أو حتى بعد جهد، وبدأ استياء الطلاب وهجومهم على صرحٍ من تاريخ… ومن هنا أتت فكرة (مكتب الشكاوى).

منذ نحو أكثر من 4 سنوات تأسس مكتب الشكاوى في مبنى رئاسة جامعة دمشق (بإدارة مباشرة من رئيس الجامعة)، وكانت فكرته ربط الخيوط المقطوعة بين الطالب وجامعته، وإعادة الثقة التي لا تستحق جامعة دمشق أن تخسرها من طلابها وكوادرها، وهي التي ناضلت من أجلهم وصمدت معهم لتكسبهم العلم رغم كل ما نعرفه من ظروف. وبدأ عمل المكتب الدؤوب باستقبال شكاوى الطلاب التي تناولت في بادئ الأمر المشاكل الامتحانية، من شك الطالب بأنه يستحق أن ينجح بمواده، أو من ظلم تعرّض له، وحتى تناول المكتب شكاويه التي ربما تكون عن البنية التحتية لكليته، كما أن لمكتب الشكاوى دور في سماع شكاوى الموظفين في أي شيء يريدون أيضاً. وحين وصول أي شكوى للمكتب يقوم مباشرة باستلامها رسمياً ليتوجه نحو الجهة المشتكى عليها، فيتحقق من صدق الشكوى ولمن تعود أحقيتها، إذ تذهب لجنة مختصة من رئيس المكتب مع الجهة المحوّلة لها إلى الكلية والقسم المطلوبين وتقوم اللجنة بإجراء ما يلزم من تحقيقات.

 وسنأخذ مثالاً الآن بأن تكون المشكلة هي في مادة امتحانية، حينئذ تذهب اللجنة فتنظر الأسئلة والدرجات الموضوعة عليها وسلّم العلامات الموضوع من دكتور المادة المسؤول، وتؤخذ عيّنة من الأوراق الامتحانية ويجري التدقيق بالتفاصيل المكتوبة في ورقة الطلاب مع الموجودة في سلم التصحيح، وتتم المقاربة ومراقبة تفاصيل أخرى، مثل إن كانت الأسئلة منطقية.

وفي هذه الحالة توجد عدة نتائج، في حال الخطأ من أستاذ المقرر تشكل لجنة علمية لدراسة الموضوع، ويحال الأستاذ إلى لجنة التأديب لاتخاذ القرار المناسب، أو يعاد تصحيح المادة… وحين يكون الطالب مخطئاً في توقعاته في أنه أجاب كما هو مطلوب معتمداً على أسئلة دوراتٍ سابقة محلولة من قبل طلاب مثله، أو على دوراتٍ خارجية لا تعطي حلولاً مقاربة لما أعطاه الدكتور في المحاضرات التي غالباً ما يتغيّب عنها الطالب، الذي لا يعرف ما أعطاه الدكتور داخل محاضرته من معلومات لا تصل إلى الطالب عن طريق المحاضرات الورقية المرفوضة تماماً وفقاً للقوانين الامتحانية. بعد ذلك يتم التدقيق في جمع الملاحظات والحقائق، وتقدم اللجنة الاقتراح  وترفعه إلى الجهات المختصة ليتخذ القرار المناسب.

ومكتب الشكاوى يعمل جاهداً ليعطي صاحب الحق حقه، إن كان طالباً أم موظفاً أم أستاذاً… وما على الطالب إلا أن يقدم شكواه ليتم سماع صوته، فقط المطلوب من الطالب المظلوم إيصال صوته دون خوف، فمنهم من يخاف أن يظهر اسمه في الشكوى، فنطمئنه بأن اسمه يبقى سرياً تماماً، وإن كُشف فتعرض للظلم من الجهة المشتكى عليها، ما عليه إلا العودة لمكتب الشكاوى ليتكلم عن الظلم الذي وقع عليه..

 إذاً اسم صاحب الشكوى سري وعلى الطالب أن يثق بجامعته، تلك الثقة التي هي المشكلة الثانية، ذلك أن الطالب لا يثق أن صوته سيصل، فمن جهتنا نقول له (عليك بالتجربة)، وعليه أن يثق برغبة الجامعة من خلال (مكتب الشكاوى) أنها تريد أن يصل صوته إليها، فهو مكتب محدث لم يكن موجوداً في السابق، وعليه أن يثق أنه (لا يضيع حق وراءه مطالب)..

  لذا نأمل من طلبتنا أن يقوموا بواجباتهم الخاصة والعامة نحو جامعتهم والحفاظ على سمعتها لأنها ستكون لأولادهم من بعدهم، وأن يعيدوا للعلم جوهره وأهميته وعمقه فيبتعدوا عن أساليب الغش المتطورة التي تلاحقها الجامعة لمعاقبة مرتكبيها وللحفاظ على استحقاق الطالب لاسم يحمله عبر شهادتها، فجامعة دمشق تقوم بجهد كبير لتحافظ على سير العملية الامتحانية من كل الجهات.

وأخيراً وليس آخراً، يتم استلام الشكاوى مباشرة عبر المكتب، أو عبر الرسائل في صفحتها الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي.عليكم إسماع صوتكم من جهة، والحفاظ على قيمة الجامعة داخلكم وعبركم من جهة ثانية!

رئيس مكتب الشكاوى بجامعة دمشق

العدد 1107 - 22/5/2024