القمة وحال الأمة

مضى على تأسيس جامعة الدول العربية، تسعة وستون عاماً (1945-2014) جرت خلال هذه العقود تبدلات وحروب ونكسات مريرة. وصدر عن القمم العربية (العادية والاستثنائية) أكثر من ثلاثمئة قرار بشأن فلسطين وإسرائيل. ومرّت هذه القمم بمراحل صعود قليل وهبوط كثير في مواقف من التقدم والتراجع. ومن أبرز القرارات قرار وقف الهجرة اليهودية وتحقيق استقلال فلسطين في (أيار 1946). وقمة بدعوة من الرئيس عبد الناصر، عام ،1964 للبحث في مشروع إسرائيل تحويل مياه نهر الأردن. واتخذت قرارات عدة بشأن فلسطين، وما تزال القمم العربية تكرر قراراتها في بياناتها الختامية.

وتأتي قمة الكويت في مرحلة معقدة تمر بها الأمة العربية والمنطقة.. وفي أسوأ وضع من الخلافات والتكتلات والتآمر والإرهاب الذي يجتاح المنطقة طولاً وعرضاً.

وتحت شعار (التضامن لمستقبل أفضل) عقدت قمة الكويت الأسبوع الماضي بحضور 13 من الرؤساء وتغيب 8 من الحكام . وقد تزامن عقد القمة مع عدوان تركيا والجماعات الإرهابية على شمال سورية لأسباب غدت معروفة. فـنظام أردوغان يمر باضطرابات داخلية بعد فضائح الفساد، واقتراب موعد الانتخابات، وانخفاض نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية، وفشل الدعم التركي القطري لإخوان مصر، والصراع قائم بين هذين الطرفين من جهة والسعودية من جهة ثانية.

بعض الوفود ألقت كلماتها بعد جلسة الافتتاح وعادت إلى بلادها، منها (ولي العهد السعودي وأمير قطر). وهددت ثلاث دول عربية بالانسحاب من القمة في حال إعطاء مقعد سورية لما يسمى بـ(الائتلاف)، وهي الجزائر ولبنان والعراق، ويقال إن السودان انضم إليها. وانسحب وزير المالية اللبناني ووفد العراق من القاعة أثناء إلقاء (الجربا) كلمة باسم المعارضة السورية.

خطابات تتكرر في القمم وبين قمتين.. وأخطاء فاحشة لبعض رؤساء وفود الخليج الذين لا يميزون بين الحروف والحركات، فهم لا يجيدون اللغة العربية في الوقت الذي (يصرخون ويجرحون حناجرهم دفاعاً عن الإسلام والعروبة والشعب السوري). ويرفعون شعارات الغيرة والحمية ويدعمون الجماعات الإرهابية.

قيلت كلمات تفاؤلية رددها أمير الكويت فقال: (إننا مدعوون اليوم إلى البحث في الأسس التي ينطلق منها عملنا العربي المشترك). أما نبيل العربي فقال: (إسرائيل تسير ضد حركة التاريخ). وشنَّ السعودي الوقور حملة كلامية بلغة الشارع ضد سورية. ودعا إلى تغيير ميزان القوى على الأرض في الصراع السوري. وأبدى اندهاشه لعدم منح (الائتلاف) مقعد سورية. أما الأمير القطري فعبّر عن ثوريته، وطالب بفتح المعابر وفك الحصار عن غزة، وأكَّد على علاقة الأخوة مع مصر – طبعاً – نكاية بالسعودية.

لقد ازدادت الخلافات العربية – العربية توتراً، خاصة بين السعودية والعراق، وبين الثلاثي الخليجي (السعودية والبحرين والإمارات) من جهة و(قطر) من جهة ثانية. ويبدو أن وساطة الكويت لم تحقق الحد الأدنى من التوافقات.

وتشير نتائج قمة الكويت حسب المعطيات، وما خرج من داخل قاعة القمة وقراءات خبراء القمم العربية، إلى عدم صدور بيان ختامي، بل صدر إعلان عن القمة، وهذا يحمل دلالة على عدم الاتفاق على قضايا عدة جوهرية بارزة في السياسة العربية وفي سياسة المنطقة، ويشير إلى الاصطفافات الإقليمية والدولية الناتجة عن الأزمة السورية وإفرازاتها.

وركز الإعلان على: دعوة (الائتلاف) إلى المشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة كحالة استثنائية للقواعد المعمول بها في الجامعة اعتباراً من الدورات المقبلة في أيلول 2014 . وتحفّظ على القرار العراق والجزائر ونأى لبنان بنفسه. ورفضت القمة رفضاً كاملاً مبدأ (يهودية الدولة الإسرائيلية). وأدانت القمة الإرهاب بكل أشكاله وصوره. وجاء في الإعلان: (نعتبره عملاً إجرامياً وندعو للعمل الجاد لتجفيف منابعه الفكرية والمادية. ونرفض عمليات الابتزاز من قبل الجماعات الإرهابية. ونطالب بوقف كل أشكال النشر الإعلامي التي تحض على الكراهية أو القتل أو النيل من المعتقدات..). ولم تستجب القمة لطلب البيت الأبيض بالإشارة إلى (الدولة اليهودية) في الإعلان الختامي. وجاءت الفقرة التي تطالب باجتثاث الإرهاب مطلباً دولياً ولكن المهم في التنفيذ، توقف إمداد الإرهابيين وإيواءهم وضخ الأموال والسلاح لهم، ومحاسبة الدول والأشخاص الداعمين للإرهاب.

العدد 1105 - 01/5/2024