يوم الأرض.. عنوان التمسك بالحقوق المشروعة

 تمر الذكرى الـ 38 ليوم الأرض، التي يحييها الفلسطينيون على طريقتهم النضالية، والذي كان رداً على العدوان الصهيوني في الثلاثين من آذار عام ،1976 على قرى إقرت، كفر برعم، الرامة.. إلخ من القرى المنكوبة المضافة إلى عشرات القرى والبلدات، التي صودرت أراضيها، ومايزال مخطط تهويدها قائماً. ويظهر إحياء هذه الذكرى الأليمة في مناطق عام ،1948 خصوصاً، فشل المخططات الصهيونية الهادفة إلى فك الروابط التي تجمعهم مع إخوتهم وأشقائهم في الأراضي المحتلة عام1967.

وتزداد أهمية إحياء هذه الذكرى الأليمة، من خلال الدعوة التي صارت أكثر جهاراً وعلانية صهيونياً، إلى إقامة الدولة اليهودية على جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والاعتراف بيهودية إسرائيل أحد شروط حل ما تبقى من (حقوق) فلسطينية، وفق المفهوم الصهيوني.

لسنا هنا بصدد حجم الأراضي التي وضعت سلطات الاحتلال يدها عليها، تحت لافتات (أملاك الغائبين، الأراضي الأميرية.. إلخ) على أهميتها، بل بصدد تأكيد أن عرى الفصل بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 أو في عام 1967 لم تكن قائمة، ولم تعد كذلك أيضاً..وهذا ما تثبته يومياً الفعاليات الجماهيرية – الحزبية التضامنية على جانبي مايسمى (الخط الأخضر) صهيونياً. إذ تؤكد هذه الفعاليات، على كثرتها، حجم الترابط التاريخي الذي لا يمكن فصمه، وهذا ما أثبتته الوقائع والأحداث على امتداد أكثر من ستة عقود، بين شقي البرتقالة – في عودة إلى سجالات الشاعرين الكبيرين الفلسطينيين الراحل محمود درويش من منفاه الاضطراري، وسميح القاسم من مكان إقامته المحددة صهيونياً.

وتعيد ذكرى الثلاثين من آذار عام 1976 (يوم الأرض)، وإن كانت التسمية شديدة الوضوح، الإصرار الفلسطيني الشعبي على مواجهة المخططات الصهيونية السابقة والقائمة والمستقبلية أيضاً، وتثبت وحدة إرادة هذا الشعب، الذي سُلبت أراضيه، وصودرت غالبيتها تحت لافتات استيطانية يهودية – صهيونية، أنه شعب لن يركع لهذه المخططات، ولن يقبل أيضاً بيهودية الدولة العبرية على جزء من أراضيه المحتلة.

وإذا كانت الجماهير الفلسطينية اعتادت على إحياء هذه الذكرى الأليمة والكارثية سنوياً، فإن أهميتها تزداد مع طرح حكومة نتنياهو ضرورة الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، بوصفه شرطاً وأساساً لعملية (السلام) بين شعب مقتلع من أرضه، وآخر مستجلب من جميع أرجاء الدنيا، لا يجمعه شيء مشترك (لغة، ثقافة، تاريخ مشترك.. إلخ)، سوى الإصرار على إقامة دولة عنصرية معترف بها، ومُقرّاً بيهوديتها من قبل أصحاب الأرض أولاً، والعالم ثانياً.

وهذا ما يمثل بحد ذاته، إضافة إلى كارثية ما وقع في الثلاثين من آذار (تهويد مئات الآلاف من الدونمات الفلسطينية)، إقراراً بأن أصحاب الأرض الحقيقيين هم الغزاة والمحتلون! ولذلك تبعاته القانونية والأخلاقية والإنسانية والمادية أيضاً، وأن القادمين من أقاصي العالم هم من يجب الاعتراف بهم، وبحقهم (التاريخي) في هذه المناطق المحتلة.. وأن استعادة جزء منها يتم عبر الإقرار الدولي، وقبل الفلسطيني، بيهودية الدولة الصهيونية.. وما يمثله هذا من سابقة تاريخية لم يشهدها العالم، وعنوانها الإقرار بقيام دولة ما على أساس ديني- عنصري، لم يشهد التاريخ مثيلاً له، ولم تشهد الدول المحتلة من قبل الغزاة الأجانب، مجرد الإشارة إليه، وبضمنها نظام (الأبارتهيد) العنصري في جمهورية جنوب إفريقيا.

حكومة نتنياهو التي تسعى جاهدة إلى وضع هذا الشرط في صلب ما يسمى بـ(عملية السلام) مع الفلسطينيين، تدرك سلفاً مغزاه ومدلولاته، في الوقت الذي فشلت فيه كل المحاولات العبرية – الصهيونية، على امتداد عقود الاحتلال العنصري، ما قبل اتفاق أوسلو وما بعده أيضاً، إلى تكريس هذا الواقع قانونياً، وتالياً شطب القرار 194 الدولي، الذي نص على إقامة دولتين، مرتبطاً بحق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم، أو التعويض عن أملاكهم المغتصبة.

وإذ تستغل الحكومات الإسرائيلية على اختلاف تركيبتها (حزب العمل، حزب الوسط، الليكود اليميني المتطرف، وما بينهما) الوضع العربي القائم، وبخاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (سنوات الربيع العربي)، كذلك حالة الانقسام الكارثي الفلسطيني منذ عام ،2007 وانعكاساته سلباً، على المواقف الدولية و(الإقليمية) تجاه القضية الفلسطينية، فإن الوقائع والحقائق الدامغة تثبت مسألتين رئيسيتين:

الأولى: وتتلخص في عدم الموافقة أو عدم قدرة أي من القيادة الفلسطينية الرسمية في رام الله على قبول المقترحات الإسرائيلية حول القضايا النهائية للمسار التفاوضي الثنائي، وبضمنها يهودية الدولة، الفريدة في طرحها دولياً.

الثانية: والأهم، تتجلى في فشل المشروع الصهيوني – العبري، خلال سبعة عقود، من إحداث شرخ بين فلسطينيي عام 1948 وفلسطينيي عام ،1967 ولهذا تبعاته ومدلولاته أيضاً.

إضافة إلى عدم (قدرة) أي زعيم فلسطيني كائناً من كان، على إضفاء الشرعية الثنائية على حساب قرارات الأمم المتحدة، التي وصفت آنذاك بـ(المتوازنة) وليست العادلة، حول كيفية حل مشكلة الصراع العربي – الإسرائيلي، وجوهره  القضية الفلسطينية. وهذا مايدركه الجميع في رام الله وغزة وفي أراضي الـ،1948 وفي بلدان الشتات أيضاً.. والذين رفضوا ومازالوا يرفضون الإقرار بالوقائع المفروضة إسرائيلياً على شعب فلسطين، وتالياً حقوقه التاريخية. وهذا ما يجب على حكومة نتنياهو اليمينية أو غيرها من الحكومات القادمة، على كثرتها، أن تدركه أيضاً، وأن على العالم (المجتمع الدولي) الذي يطالب بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير أيضاً أن يدركه، وأن تدرك كل العناصر الفاعلة أو المنشغلة بالمسألة الفلسطينية، فشل المشروع الصهيوني – العبري، وأن الأمور لا تحل إلا لصالح الشعوب مهما طال الزمن.

العدد 1105 - 01/5/2024