التوازن العسكري بين الجيش والمسلحين ادعاء أمريكي يخفي ارتباكاً أمام الأزمة

السعي الأمريكي لخلق حالة توازن عسكري بين الجيش العربي السوري والمسلحين هدف معلن تدعي بموجبه الولايات المتحدة أنه: لا يمكن الوصول للسلام عن طريق الحوار المتكافئ بين الحكومة والمعارضة ما لم يعتدل وضع القوات المتقاتلة على الأرض. هذا ما طرحته ومؤتمر جنيف 2 رهن الانعقاد، وتعود اليوم لطرحه بشكل لا يوحي أن الولايات المتحدة مستعجلة لحسمٍ في سورية، سواء عسكرياً أم بالحوار، أو قادرة عليه.

لا تجهل الولايات المتحدة بكل ما تمثله وبكل من تمثله أن مشكلة من تسميهم المعارضة لم تكن يوماً مشكلة نقص في تسليح المجموعات التي تقاتل تحت اسم المعارضة، وهي تسمية مفروضة على معظم التنظيمات المقاتلة التي ليست  بصدد العمل الاستراتيجي لتغيير نظام الحكم وفق الاتجاهات التي تدّعيها المعارضات السياسية، ولاسيما النخب منها! بل هي بمعظمها وربما بكامل فاعليتها تعمل لإقامة دولة الخلافة الإسلامية.

لاشك أن مزيداً من السلاح للقوى التي تقاتل الجيش العربي السوري تخلق وضعاً أفضل لها في المعركة القائمة… لكن… دون أن يتجه بها للحسم ولا حتى التوازن مع الجيش. هذا جيش يقاتل بجد، ولعله لأول مرة في تاريخه العسكري يقاتل بهذه الكفاءة، ثم هو لا يفتقد مصادر السلاح والتسلح داخلياً وخارجياً.. وبالتالي… كل إضافة إلى القوة العسكرية للمسلحين لا تعني إلا تسعير الحرب وإطالة زمانها ومزيداً من الخراب لسورية.. ذلك كله ما هو ليس ببعيد عن الرغبة الأمريكية حول ما تكون عليه نتائج المعارك في سورية. لكنها مضطرة لأخذ الأمور بجدية أكبر حول هذه المسألة لعدة أسباب:

1- تقدر الولايات المتحدة الصعوبة الحقيقية لإيصال السلاح إلى المسلحين بما يكفي لخلق حالة توازن مع الجيش العربي السوري لم تستطع أن تحققها كل الأسلحة الواردة والممكن توريدها من قبل كل المزودين الآخرين رغم كرمهم والتمويل السخي الذي قدموه.

2- من الصحيح أن الولايات المتحدة والغرب عموماً لا يرتاحون كثيراً لوجود أسلحة نوعية متطورة في أيدي المسلحين الإسلاميين، لوثوقهم بدورهم في الإرهاب الذي يدّعون محاربته. بل هم سيحرجون أمام شعوبهم إذ ينفقون أموالاً لتسليح الإرهاب حتى ولو توفر من يعوض. وأي حادث إرهابي يحصل في أي من دول الغرب سيدفع بالقائمين على الأمور إلى خسارة معاركهم السياسية داخل بلدانهم.

3- استمرار المعارك طويلاً… صحيح أنه يحقق رغبات الطامعين بتدمير سورية ومنع أي إمكانية لإعادة بناء دولة مستقلة ذات سيادة فيها… لكنه ينذر بانتشار الإرهاب بعيداً ووصوله إلى ديارهم. وخلق حالة فوضى قد تعصى على أن تكون خلاقة وفق المعايير الأمريكية.

4- أمام الغرب اليوم فرصة تاريخية، إذ تتكفل الجيوش العربية من الجزائر إلى اليمن مروراً بمصر وغيرها – المسألة ليست سورية وحسب – بمحاربة التيارات الإسلامية التي كان يمكن أن تشكل قوة مواجهة هامة للغرب لولا مصادرتها من قبل الإرهاب  والسعي بها نحو مطالب سياسية رثة كما في توجهات الإخوان المسلمين..  إطالة المعركة لن يحقق الهدف… وستكون الفوضى غير الخلاقة.

مشكلة الولايات المتحدة ليست أبداً في ضرورة تسليح من تسميهم المعارضة… بل مشكلتها أن توجِد هي، قبل الحكومة السورية، الطريق للوصول إلى معارضة والرهان عليها.

العدد 1105 - 01/5/2024