الأمل.. حتمية وجودنا من عام إلى عام

هناك مقولة تترد ويُروّج لها هذه الأيام، أو بالأحرى أفكار يُعبّر عنها وفق قانون يسمى (قانون الجذب)..مفاد هذا القانون أن ما نقوله لأنفسنا يصبح في النهاية حقيقة واقعة، بمعنى أننا نجذب الأفكار إلينا لأن الفكرة هي المؤسِّسة للسلوك.

وحديثي اليوم عن الأمل هو حديثي عن فعل مدفوع برغبة غامرة لما هو أفضل، الأمل = الرغبة، ومن لديهم الرغبة أو الأمل بالحياة الأفضل يبقون إيجابيين، والناس الذين لديهم أمل يقومون بأفعال وسلوكيات يومية بأحاسيس مريحة أكبر ممن لا تغمرهم الرغبة بالتجديد ويعيشون القنوط واليأس.

لا أحد يشعر بأنه بخير في كل وقت، ومع ذلك الناس الذين لديهم أمل يُلزمون أنفسهم باتخاذ إجراءات معينة كل يوم فيها سعي للتغيير. إن الأفعال تخلق الرغبة لتحركاتنا في الاتجاهات التي تشعرنا أننا بخير، لأن الفعل الايجابي يعمل على تعزيز الأمل، والأمل هو نافذة النور التي تشرق على سماء الإنسانية، فتدفع الإنسان وتحفّزه إلى توظيف كل إمكاناته المتاحة مهما قلّت، ليتخطى العقبات ويتجاوز المحن.

فلولا الأمل (الرغبة) لما وجد الدافع الذي يضع الإنسان على طريق العمل والتّقدم والطموح والتشوق للأيام الأفضل. الأمل هو كلمة السّر التي تجعل الشّباب يغامرون ويعبرون البحار، يهربون من مستنقع الركود والموت إلى مشروع الحياة الذي يشعرهم بإنسانيتهم وبأنهم يستحقون ما هو أفضل.

وبذلك يكون الأمل مجموعة من الأفكار والقيم التي تحوّل الإنسان من الجمود، والتّثبيط أو الكف عن الفعالية، إلى إنسان ذي طاقة فاعلة وإيجابية، هذه الطاقة تصنع التغيير الذي نتجاوز به كل الأزمات، كما ترفع الإنسان من أسر الواقع الأليم، فضلاً عن القدرة التي تمنحنا إياها لتجاوز الماضي بأخطائه وقيوده.

من هنا يصبح أمام مقتضيات وقف الحرب في بلادنا اليوم، العمل على صناعة الأمل، الذي أجده أصبح واجباً وعملاً مطلوباً من كل مَن يجد في نفسه المقدرة على التأثير في الآخرين في بلادنا اليوم، وأن تكون صناعة الأمل هي إحدى أولوياته وبرامجه، في ظل الإحباط الاجتماعي والسياسي الذي نغرق في مستنقعه، فالسياسيون اليوم عليهم أن يتدربوا بداية مع أنفسهم على وضع الأهداف النبيلة، وأن يحبوا الحياة لأنفسهم مثلما يحبونها للآخر الذي سوف يثق بهم، فالتمسك بالمصداقية هو الحامل الرئيس ليولد الأمل بالنفس وبالآخر، المصداقية بأن يكون قولنا على مستوى أفعالنا.

الأمل مشروع يُعمل له، وكم بات رائجاً ومعروفاً في الدول المتقدمة العمل على صناعة الأمل، وما مشاريع التنمية البشرية إلاّ أحد تجسيدات العمل على صناعة الأمل في الشباب، وتنمية القدرات الذاتية للحدود الممكنة عبر التعلم والتدريب وإعادة التأهيل.

صناعة الأمل اليوم في نفوس الناس في بلادنا، بعد جراح الحرب، وأعطابها الجسدية والمعنوية، تكاد أن تكون من الصناعات الثقيلة التي يلزم التفكير والتّخطيط للعمل عليها، إن كان المرجو لهذه البلاد أن تنهض من جديد، وتأخذ الموقع الحضاري الذي تستحقه، المنسجم مع مقدراتنا الطبيعية والبشرية.

فبالأمل شيدت ناطحات السّحاب، وبالأمل شيدت الصّناعات المميزة، وبالأمل اكتُشف الفضاء وأمكن بلوغ القمر، والغوص إلى عمق المحيطات. فالأمل هو الرافعة التي تجر خلفها العربات المليئة بأحلام البشر المثخنين بجراح الماضي وآلامه، تدفعهم حثيثاً لليقظة والبحث عن أيديولوجيا لاستئناف المسير نحو مستقبل أفضل.

لتكون صناعة الأمل بمثابة استحضار للغائب، لنعيشه واقعاً مجسداً أمام أعيننا ونلمسه بأيدينا، لتستأنس به نفوسنا الطامحة للجمال والكمال في الإنجاز على الصعد كافة…إن استحضار الأمل ينبغي أن لا يبنى على الجانب المادي الذي يملكه الفرد أو الجماعة فحسب، بل يجب أن يرتبط أساساً بشعاع النور في قلوبنا المشبع بخزّان المحبة للاستمرار والمشاركة..

إن استحضار الأمل ينبغي أن لا يبنى على الجانب المادي الذي يملكه الفرد أو الجماعة فحسب. بل يجب أن يرتبط أساساً باستخدام المعرفة لنقوى، وليكن الطرح أن ننمو ونتطور، أو ينتظرنا الموت ونحن أحياء.

وأختم بقول الشاعر:

فتمتــّعْ بالصبح ما دمتَ فيه…..لا تخفْ أن يزولَ حتى يزولا

العدد 1107 - 22/5/2024