المساكنة… ضرورة أم رغبة..؟

لا ريب أن ثورة الاتصالات قد فجّرت ينابيع متغيّرات عميقة وجذرية في مختلف المجتمعات الإنسانية، فقد أرخت بظلالها على مجتمعنا وأحدثت تحوّلات هامة طالت القيم والمفاهيم نحو الكثير من المسائل والموضوعات الرئيسية في حياة الناس، أوّل ما طالت شريحة الشباب باعتبارهم القاعدة الأساسية في تلقي الحداثة وتطور المجتمعات.

وهنا، تبدّلت بعض المفاهيم الاجتماعية فيما يخص العلاقة بين الجنسين، ونظرة كلٍ منهما لهذه العلاقة من جهة، وللزواج من جهة أخرى. وبرزت مسألة المساكنة حالة اجتماعية وإحدى ثمار تلك الحداثة. باعتبارها حالة مرفوضة في مجتمع محافظ، بقيت في الظل أو الخفاء وبالحدود الدنيا إلى ما قبل الحرب الحالية التي أفرزت سلوكيات جديدة لم تكن مألوفة أو مرغوبة من المجتمع، أو حتى من الشباب أنفسهم، من ضمنها المساكنة التي باتت اليوم محلّ سعي وقبول لأسباب متعددة منها الوضع الاقتصادي والمعيشي الرهيب الذي دفع الشباب عنوة في بعض الأحيان إلى خيارات مرفوضة، لكنها ضرورية من أجل استمرار حياتهم سواء بتوجهاتها الدراسية أم المهنية أم سواهما، يُضاف إلى ذلك ندرة المساكن بحكم نزوح غالبية الناس من مناطق الحرب، وبالتالي لم يجد الشباب من الجنسين مفراً من التشاركية في السكن بعيداً عن أي هدف أو شعور عاطفي.

ولكن هناك دافع آخر قد يوازي أو يتغلب على الأسباب المذكورة في ترتيب أولويات خيار المساكنة، وهو الدافع العاطفي لدى الجنسين في مجتمع لا يقيم وزناً لا للعواطف ولا للمشاعر، ولا لحق الإنسان باختيار شريكه، بل بالعكس، لا يتوانى المجتمع عن التضييق على كل ما من شأنه تعزيز تلك الحقوق عبر قيم متشنجة تعزز من مسألة القمع والكبت الجنسي الذي يقود في النهاية إلى خروج البعض على هذه القيم، لتبقى مسألة المساكنة حتى اللحظة مرهونة بالرغبة والضرورة التي تقتضيها ظروف الشباب.

العدد 1107 - 22/5/2024