ظاهرةٌ لا بدّ لها من قانون

 ظهر مفهوم المساكنة في مجتمعنا قبل بداية الأحداث الدامية، وازداد انتشاراً فيما بعد ذلك، وقد اقتنع عدد لا بأس به من الشباب والشابات بهذه الظاهرة، في ظل عدم وجود قانون ينظم الزواج المدني في بلادنا، الذي يعززه رفض المجتمع ذاته لفكرة الارتباط بين الجنسين على أساس المشاعر حتى لو اختلفت المعايير الأخرى الدين أو المنطقة أو، أو، إلخ…. يضاف إلى ذلك الحالة الاقتصادية السائدة، فمعظم الشباب لا يملكون المؤهلات المادية التي يتطلبها الزواج بشكله المتعارف عليه، إنما يمتلكون المشاعر التي تعتبر حقاً طبيعياً لهم.

وإذا ما حاولنا أن نجد لهذه الظاهرة تعريفاً، تبقى نمطاً من أنماط المعيشة المشتركة بين طرفين من جنسين مختلفين، بعيدٌ كل البعد عن العلاقة الأخوية أو الأسرية، كما أنه بعيدٌ عن مفهوم الزواج المشرعن والمقونن في قانوننا وشريعتنا، تحكم هذه المعيشة العلاقة الحميمية بين الطرفين القائمة أساساً على الحب والمشاعر المتبادلة.

هذه المشاعر التي لا يحصرها دين أو منطقة، وليس بمقدور أي شخص أن يحاسبنا عليها، فكما لم يكن بيد أحدنا اختيار دينه أو أبويه، فإن هذه العاطفة لا يجري تحفيزها بالإجبار أو الإكراه تجاه شخص ما فقط لأنه من أبناء المنطقة نفسها أو الدين أو ربما الطائفة ذاتها، لا سيما أننا ترعرعنا في بلاد تتبجح دوماً بالتآخي الديني والتلاحم المجتمعي.

فكم من حالات زواج فشلت فقط لأن معيارها الأول والأساس كان قائماً على أرضية البيئة أو الدين، وكم من حالات عشقٍ وئدت فقط لمجرد الاختلاف الديني أو المذهبي أو العرقي، فيما لو هيئت لها الظروف المناسبة لكانت ربما حققت نجاحاً أسرياً يتوق إليه كلٌ منا، ولكنا لم نلحظ ظاهرة أخرى تتجسد بالخطف، أي أن يقرر الشريكان الزواج سراً بعيداً عن العائلة والمجتمع، ليضعوهما أمام الأمر الواقع في نهاية المطاف.

فإن امتلكنا قانوناً ينظم هذه الظاهرة، ويحمي الرجل والمرأة على السواء، ويقي الأطفال شر التشرد وغياب النسب.. لكنا في حلٍ من ظواهر عديدة تشوه المجتمع وتفرق بين أبنائه على الدوام لا سيما في ظل الحرب الكارثية المعاشة التي عززت رفض الآخر والخوف منه.

 

العدد 1107 - 22/5/2024