برامج المرشحين.. بيانات شكلية أم خطط للتنفيذ؟

في الدول العريقة بتقاليدها الديمقراطية، يضع المرشحون للمجالس النيابية ومرشحو الرئاسة بياناتهم الانتخابية بالتشاور مع أحزابهم، أما المستقلون منهم، فيضع كل منهم اقتراحاته لتحسين الأداء الحكومي تجاه القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصلحة الفئة التي ينتمي إليها.

البيان الانتخابي في هذه الدول مسألة بالغة الخطورة والدقة، ففي حال نجاح المرشح، فهو مطالب بالعمل داخل الهيئة أو المنصب الذي سيشغله على تطبيق ما جاء في بيانه.. فمن أعطاه صوته في الاقتراع، سيحاسبه في الاقتراع القادم، وربما قبل ذلك.. وكثيراً ما دفعت أحزاب وشخصيات سياسية مرموقة ثمناً باهظاً بسبب إخلالها بتعهداتها الواردة في بياناتها الانتخابية.

نقول هذا ونحن مقبلون على بداية الحملة الانتخابية لمنصب الرئاسة في بلادنا، وهي حملة افتقدها الشعب السوري.. إذ ترجع آخر حملة انتخابية رئاسية إلى أواسط خمسينيات القرن الماضي..

ماذا تتطلب المرحلة؟ وماذا يريد المواطن السوري من رئيس البلاد المقبل؟

إن جماهير الشعب السوري تضع إنهاء الأزمة السورية عبر الحلول السياسية في مقدمة مطالبها.. فنزيف الدم والتهجير والخطف والاعتقال.. كل ذلك أرهق المواطن.. لذلك فالرئيس الجديد مطالب بإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، إضافة إلى الاستمرار في مكافحة الإرهاب المنظم، والإرهاب الفردي الذي نبت كالفطر في سنوات الأزمة. ونؤكد هنا ضرورة العمل على إلغاء أي تشريع أو إجراء إداري يحد من حقوق المواطن السوري السياسية والاجتماعية.. أي بكلمة مختصرة العمل على تطبيق مبادئ الديمقراطية والعدالة، بعد خمسة عقود من احتكار السلطة.

الاقتصاد السوري يجب أن ينهض

لن أخوض طويلاً في حالة الركود التي عاناها اقتصادنا الوطني قبل الأزمة، والتي تسببت بها السياسات الانفتاحية- النيوليبرالية، وتهميش الاقتصاد الحقيقي القائم على الصناعة والزراعة والتبادل، لصالح الاقتصاد الريعي القائم على الخدمات ومشاريع العقارات والمشاريع السياحية الموجهة للنخب.. كذلك لن أفصّل في حالة الاقتصاد السوري منذ بداية الأزمة الوطنية المركبة، التي زادها تعقيداً وصعوبةً الحصارُ الاقتصادي الظالم، والتدخل الخارجي المتعدد الأشكال الذي مارسه تحالف (ردع) سورية بقيادة الإمبريالية الأمريكية وشركائها الأوربيين ومشايخ الخليج والعثمانيين الجدد. فقد كتبنا على صفحات (النور) وفي صحف أخرى الكثير حول هذه المسألة، لكننا نعود هنا لنؤكد ضرورة الإسراع في إنهاض اقتصادنا الوطني بعد نكبتي الانفتاح والأزمة الوطنية.. فحين تخسر قوة العمل السورية نحو مليوني فرصة عمل، وترتفع نسبة البطالة إلى أكثر من 40%، ويتحول نصف سكان سورية إلى خانة الفقر، منهم نحو 3 ملايين مواطن في خانة الفقر الشديد، ويتراجع الاستهلاك العام بين أعوام 2011 و2013 بنسبة تقدر بنحو 35%، ويتراجع الاستهلاك الخاص بنحو 32%، وتبلغ خسائر الأزمة المدمرة نحو 106 مليارات دولار حتى بداية عام 2014 وتستمر سورية بالوقوف رغم التداعيات المعيشية والاجتماعية التي تعكسها هذه الأرقام، فهذا يعني شيئاً واحداً، أنها قادرة عند انتهاء هذه الأزمة على مداواة جراحها، والانطلاق إلى المستقبل.

ونقترح للرئيس المقبل العمل على تنفيذ الإجراءات التالية:

1- صحيح أن مواجهة المنظمات الإرهابية القاعدية تتطلب زمناً طويلاً نسبياً، لكن بسط سلطة الدولة على المناطق الزراعية والصناعية تعد أمراً بالغ الأهمية لإنهاض الاقتصاد السوري، وإنهاء حالة الركود.. فعودة عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي مرهونة بالدرجة الأولى بعودة الأمان إلى المدن والأرياف التي تعد حاضنة لقطاعات الإنتاج، كالمعامل والمزارع والورش والمشاغل.. إن انخفاض فاتورة الاستيراد، وتقليص استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي للقطع، وتوفير فرص عمل جديدة، ومساهمتنا في التجارة الإقليمية والدولية، مرتبط بعودة قطاعاتنا الإنتاجية إلى العمل، وتطوير ما كان منها بحاجة إلى التطوير والتحديث، ومعالجة مشكلات قطاعنا العام الصناعي، وهذا يتطلب وضعاً آمناً في مناطق الإنتاج الرئيسية وعلى شبكة الطرقات الدولية والعامة.

2-  تشجيع المصارف على منح القروض المحدودة للصناعيين، وأصحاب المشاريع الصغيرة في المناطق الآمنة، التي تعتمد على التكنولوجيا المتوسطة واليد العاملة، ولذوي الدخل المحدود، ولو تطلب الأمر تدخل الحكومة في زيادة سيولة هذه المصارف عن طريق منحها القروض، ومساعدتها في تحصيل ديونها من كبار المقترضين الذين اقترضوا بهذه الطريقة أو تلك مبالغ كبيرة، وتوقفوا عن السداد، أو سافروا إلى الخارج، ومحاسبة المسؤولين عن إقراض هؤلاء دون تقديم الضمانات الكافية.

3-  بذل الجهود الحكومية باتجاه دعم القطاع الزراعي، ومساعدة المزارعين في تأمين مستلزمات الإنتاج، وتسهيل إقراضهم من المصارف الحكومية، ووضع أسعار تشجيعية للمحاصيل الاستراتيجية، وإيجاد طريقة بالتعاون مع بقية أجهزة الدولة لاستلام هذه المحاصيل.

4- كل الجهود التي تبذل لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لن تصل إلى غاياتها، إذا لم يتم القضاء على شبكات الفساد في جميع المفاصل الحكومية.

إنها خطوات غير كافية لإنهاء حالة الركود، لكنها ضرورية، لأنها على الأقل تبقي الاقتصاد الوطني (واقفاً).. لا كما تمنّت وعملت قوى التحالف الدولي – الخليجي المعادي لسورية، بزعامة الولايات المتحدة وشركائهم في الداخل، على انهيار الاقتصاد السوري الذي يُعد الداعم الأبرز لصمود سورية وشعبها.

الأوضاع الاجتماعية.. والتنمية المطلوبة

ارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 38%، ونسبة الفقر إلى نحو 48%، وهذا يتطلب التركيز في المرحلة الحالية على إخراج التنمية الاجتماعية من ملفات الانتظار، من الثلاجة التي وضعت فيها.. وآن الأوان لتنمية المناطق المتخلفة، وخاصة المناطق الشرقية والشمالية، التي تعد مستودع محاصيلنا الاستراتيجية.

1- لذلك لابد من خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب أعداد الشاب الذين يرفدون سوق العمل سنوياً بنحو 230 ألف وافد جديد، وهي مهمة يصعب تنفيذها دون شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص المنتج، عن طريق تطوير الصناعات القائمة وتوسيعها، وإنشاء صناعات جديدة، خاصة في المناطق التي تعاني ارتفاع نسبة البطالة، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية في المحافظات والمدن والمناطق الأقل نمواً، والتركيز على هموم الشباب ومشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وإفساح المجال أمام مبادراتهم وإبداعاتهم، وتعديل سلم الأجور في القطاعين العام والخاص.

2- توسيع التعليم الجامعي العام، وتطويره وتنويعه حسب احتياجات خطط التنمية، وإتاحة الفرصة أمام الشباب لمتابعة تحصيله الجامعي دون عقبات، مما يتطلب إنشاء المزيد من الجامعات والمعاهد الحكومية.

3- مكافحة الفساد بجميع أشكاله وتجلياته، فالفساد يحبط آمال الشباب الطامح، ويقدم صورة مشوهة عن مجتمعنا، ويعطل تنفيذ الخطط التنموية.. ففي الوقت الذي تتقلص فيه فرص العمل بسبب تواضع الاعتماد المالي، تتكشف حلقات الفساد التي تنهب المال العام وتقتنص مئات الملايين من الليرات.

4- وضع خطة شاملة لتجفيف بؤر الفقر، وخلق فرص عمل جديدة في المناطق الفقيرة بالتعاون مع المجتمعات المحلية والأهلية.

5- دعم التعليم المجاني وتطويره، ومعالجة تسرب التلاميذ، والاهتمام الخاص بتعليم الفتيات في المناطق الأقل نمواً، وإقامة جامعات حكومية جديدة قادرة على استيعاب الزيادة المضطردة في أعداد الطلاب. 

6-  تنفيذ الوعود القديمة الجديدة التي قطعتها الحكومات بتمكين المرأة السورية، وزيادة مساهمتها في الحياة السياسية والاقتصادية، وسن التشريعات العصرية الهادفة إلى مساواتها الكاملة مع الرجل.

7- استمرار دعم الدولة للفئات الفقيرة والمتوسطة، والبحث عن طرق ملائمة لإيصال هذا الدعم إلى مستحقيه.

هي اقتراحات للمرشحين، علّها تجد طريقها إلى برامجهم الانتخابية أولاً، ثم إلى إرادة وتصميم أحدهم عندما سيصبح في موقع الرئاسة.

المواطنون السوريون بحاجة إلى رئيس يلبي طموحاتهم، إلى مستقبل سوري ديمقراطي.. علماني.. معاد للرجعية السوداء، ولكل أشكال الهيمنة.. رئيس يضع كرامة الوطن وسعادة المواطن وأمنه في أولى اهتماماته.

العدد 1105 - 01/5/2024