نفاق غربي … أم تحضير لعدوان؟

الحمّى المستعرة في الغرب الآن ودموع التماسيح التي تذرف كذباً على الديمقراطية وعلى اتفاق جنيف 1 الذي (انتهكته) سورية، بإجرائها الانتخابات الرئاسية وفق قواعد الدستور الجديد، إنما تعكس حالة من التخبط والنفاق السائدة في الغرب، والمشبعة بالروح العدوانية.

فأن تجري سورية أية انتخابات، فهذا من حقها مثلما هي من حق أي بلد في العالم، وألا تجري انتخابات لأي هيئة تمثيلية فهذا أيضاً من حقها ، ويجب على الغرب  أن يفهم أن العصر الذي كانت فيه أمريكا وحلفاؤها الغربيون يحركون عجلة السياسة في هذا البلد أو ذاك قد انتهى، وولى إلى غير رجعة.

ولو فرضنا جدلاً أن سورية قررت عدم إجراء الانتخابات الرئاسية الآن، لسبب من الأسباب، فهل سوف تنجو من انتقاداتهم وتهجّمهم عليها، أم أن العكس سيحصل وستُتّهم سورية بأنها عطلت الدستور؟

ثم كيف يمكن  القبول بالتفسير الغربي لقرار جنيف 1 والجزم بأن هذا القرار من شأنه أن يعطل الحياة الطبيعية والدستورية والسياسة لسورية بانتظار الوصول إلى حل نهائي للازمة؟ فإذا كانت الفقرة الواردة في مبادئ جنيف 1 حول تشكيل هيئة انتقالية، تعني تسليم مفاتيح السلطة إلى المعارضة المسلحة أو المرتبطة بالخارج، وتنحي مركز الرئاسة السورية، كما كانوا يحلمون، فهذا يكشف نواياهم الحقيقية وفهمهم المغلوط والمشبوه لفقرة الهيئة الانتقالية التي ليست إلا حيلة لاستلام السلطة مع استمرار العنف والإرهاب.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: من هي الجهة التي عطلت مسار جنيف، هل هي الدولة التي ستجري انتخابات لمنصب رئيس الجمهورية وفق الأصول الشرعية، أم تلك الدول التي أعلنت غداة أرفضاض مؤتمر جنيف أنها سوف تستأنف تزويد المعارضة الخارجية بالسلاح والعتاد المتطور، والتي وضعت ذلك موضع التنفيذ العملي فوراً، أليس ذلك هو الخرق الحقيقي لمبادئ جنيف، أم أن المقاييس قد انقلبت رأساً على عقب في هذا العالم الذي تفتك فيه الرأسمالية  العالمية بحياة البشر؟ وهل أصبح تزويد الجماعات الإرهابية التي أجمع العالم كله على إعطائها هذه الصفة،  هو عمل إنساني يستحقون عليه جائزة نوبل للسلام، بينما تتحول عملية  إجراء انتخابات، إلى عملية عسكرية تخرق قواعد السلم، ويتحول الناخب فيها إلى قاتل يغتال فيها عملية السلام المقترحة؟…

إن المقصد من هذه الحملة المسعورة المتجددة الآن، هو التغطية على عملية التسليح الجارية على قدم وساق للمعارضة الخارجية، ومحاولة محمومة لقلب موازين القوى لصالح الغرب والإرهابيين، وتحميل سورية مسؤولية انهيار مؤتمر جنيف والعملية السياسية بكاملها، تمهيداً لعدوان عسكري عليها، يجري الآن الإعداد له في الغرف السوداء المظلمة ما بين واشنطن ولندن والرياض والدوحة واستنبول ثم تل أبيب أخيراً.

إن الشعب السوري لا تفوته فائتة، وهو يربط التصعيد الجديد  بأساس المشكلة وجوهرها، التي هي الهيمنة الإمبريالية والصهيونية على المنطقة أو الانعتاق منها. وسوف يستمر بمكافحة الإرهاب بيد، ويتابع الحل السياسي بيد أخرى، وهو يمارس حقه المشروع في الانتخابات الرئاسية كجزء من عملية إصلاحية شاملة تستهدف بناء المجتمع الديمقراطي التعددي، كما نص عليه الدستور.

العدد 1107 - 22/5/2024