الاستحقاق الشعبي السوري

تستعد سورية للاستحقاق الرئاسي في الثالث من شهر حزيران القادم، بمدلولاته ومغزاه الوطني السيادي، وأهميته وطنياً ودولياً.. في الوقت الذي تواصل فيه العمل منذ شهور عديدة لإنجاز استحقاق آخر، ليس أقل أهمية، يتمثل في المصالحة الشعبية الوطنية، بين فئات الشعب السوري باتجاهاته المختلفة، على امتداد خريطة الوطن.. ويتلخص هذا الاستحقاق الشعبي في العديد من جوانبه بخطوات سعت وماتزال سورية تسعى إلى تجسيدها، بوصفها التزاماً لمكونات الشعب السوري بالدولة والوطن والكيان.. وكذلك رداً على محاولات تفتيت البلاد وتقسيمها، وإقراراً بسورية وطناً لجميع أبنائها، الحريصين عليها وعلى مستقبلها أيضاً.

إذ لا ينظر ولا يجب ألا ينظر إلى هذا الاستحقاق الشعبي على أنه وليد ساعته، وأنه خطوة اضطرارية وأحد متطلبات الحل الشامل للأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، بل بوصفه مسلكاً ومنهجاً يفترض التعامل معه، والإقرار به في الأحوال الطبيعية كما في الظروف الاستثنائية والعصيبة أيضاً.

ويعني لنا، وكذلك للغالبية الكبيرة الحريصة على سورية وطناً ودولة، أنه خطوة كبيرة وهامة لوقف نزيف الدم السوري الغالي أولاً على كل الوطنيين السوريين، وأنه يعني وقف هذا العنف ومسلسل التفجيرات والاغتيالات والقتل، الذي أودى بحياة الآلاف من خيرة أبناء جيشنا الوطني وشعبنا عموماً، وبخاصة المدنيين العزّل شيوخاً وأطفالاً ونساء.. كذلك وقف مسلسل التدمير الممنهج والمفجع، الذي تغذيه وتدعمه القوى الخارجية وأدواتها، بالهياكل والبنى التحتية والمؤسساتية الوطنية والخاصة، وتراث هذا الوطن وممتلكاته التي لا تقدر بثمن.

كما يعني هذا الاستحقاق أملاً بتحقيق استحقاقات أخرى كعودة المهجّرين قسراً من ديارهم وممتلكاتهم، والانتهاء ما أمكن ذلك من معاناة التهجير واللجوء داخل الوطن وخارجه، ويشكل في  الوقت نفسه خطوة نحو إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري الفريد بمكوناته وموزاييكه الديمغرافي، الذي حاول الآخرون عبثاً تمزيقه، وأنه انتصار للعقلانية وللرغبة الصادقة في الحفاظ على سورية، وإعادة بناء ما خرّبه المتآمرون، بجهود أبنائها المخلصين لها والحريصين على مكوناتها ومستقبلها أيضاً.

كما أنه، في جانب آخر، ليس أقل أهمية أيضاً، إقراراً بفشل سياسة الجهاديين والتكفيريين الهادفين إلى تخريب الوطن ونسيجه المجتمعي الذي تنفرد به سورية عن غيرها من الدول.

ولهذا يتابع الحريصون على سورية باهتمام المصالحات الوطنية، هذا الاستحقاق الشعبي – الوطني، وتفاعلاته في العديد من أجزاء الوطن، في أرياف دمشق الشرقية (برزة، القابون.. إلخ)، والغربية في (الزبداني، المعضمية.. إلخ)، وصولاً إلى حمص القديمة مؤخراً.. كذلك الإعلان عن اتساعه ليشمل العديد من المناطق الساخنة راهناً، في حرستا وبلدات وقرى الغوطة الشرقية الأخرى.

ورغم الملاحظات العديدة على طبيعة  العديد من المصالحات التي جرت، حتى تاريخه، والتي يفترض تجاوزها، بهدف الوصول إلى مصالحة شعبية حقيقية واسعة، تأخذ بالحسبان ما ورد آنفاً، فإنه لابد من الإشارة إلى أن سورية أكدت هذا النهج مبكراً، بإحداث وزارة المصالحة الوطنية وصلاحياتها الواسعة، وحرص السوريين الوطنيين على حل الاختلاف والتعارض المجتمعي، ما أمكن ذلك، ووفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية العامة.. وأن هذا النهج قد ترافق مع الإنجازات الوطنية التي حققتها سورية (جيشاً وشعباً وقوى وطنية) في وجه المؤامرة التي بات القائمون عليها يقرّون بصيغ وأشكال مختلفة فشلها، وتالياً ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية.. هذا الحل السياسي المنشود بين أبناء الوطن والغيورين على مصلحته، الذين يرفضون منطقياً وعملياً أن تتحول سورية إلى محجّ ومرتع للعصابات الإجرامية التكفيرية من دول العالم المختلفة (أكثر من 83 دولة)، وأن لا مكان في سياق هذا الحل للمرتزقة والتكفيريين والغرباء، وأنه ينحصر في أبناء سورية على اختلافاتهم الراهنة.. كذلك هي المصالحة الشعبية بين أبناء هذا الوطن، وبضمنهم الذين غرر بهم لفترة من الزمن، آخذين بالحسبان تبعاتها وآلامها ومآسيها الكبيرة، مادامت ترفع شعار الإقرار بسورية وطناً ودولة، وتلفظ المتدخلين في شؤونها وتحاربهم وتقهرهم.

إن الحل السياسي للأزمة والإقرار به، وإن كان متأخراً، يتطلب أيضاً الإقرار بالاستحقاق الشعبي من جهة، والسعي إلى تجنيبه، في سياق تنفيذه، العديد من النواقص والثغرات من جهة أخرى.. إنها تجربة جديدة، وعلى الوطنيين السوريين التعاطي مع إيجابياتها، والإقلال ما أمكن ذلك من سلبيات تطبيقها أيضاً.

العدد 1107 - 22/5/2024