العمال في عيدهم يتظاهرون ويُقمعون

إنَّ تاريخ أي مجتمع – كما جاء في البيان الشيوعي – حتى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية: حُر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع.. وبكلمة ظالمون ومظلومون في تعارض دائم.

ولن يتوقف الصراع الطبقي ما دام هناك إنسان يستغل إنساناً، وطبقة تستغل طبقة، ونظام ديكتاتوري قمعي يقيد الشعب بسلاسل الحديد.

لقد نمت الطبقات الاجتماعية وتطورت، خاصة في القرن التاسع عشر. فالبرجوازية لم تكن بهذا الحجم وبهذه القوة والسيطرة، بل كان يطلق عليها اسم (الطبقة الوسطى)، وتقع حدودها بين طبقة النبلاء وطبقة البروليتاريا. وعندما بدأت طبقة النبلاء بالانحدار في منتصف القرن التاسع عشر، صعدت بالمقابل الطبقة الوسطى، وتوسع بناء المدن وترسّخ بناء الدولة ومؤسساتها أكثر. وازدهرت الحركة التجارية وبرز التجار كقوة اقتصادية في حياة الدولة، وقوة سياسية هيمنت على الحياة بكل مناحيها، وأصبحت تشكل نواة البرجوازية التي تحالفت مع الملوك للتخلص من النظام الإقطاعي.

لقد سجَّل التاريخ صفحات نضالية خالدة امتدَّت على 124 عاماً، منذ اعتماد الأول من أيار عيداً للطبقة العاملة العالمية عام 1890 وسجَّل صراعاً طبقياً حاداً، ونضالاً شاقاً للعمال في العالم المتطور والنامي. ففي البلدان الرأسمالية لن يجف عرق نضال العمال ضد الرأسماليين الجشعين، والمطالبة بحقوقهم المقضومة والمهدورة، بينما كان العمال في البلدان النامية المتحررة حديثاً من نير الاستعمار يخوضون النضال على جبهتين: الجبهة التحررية، والجبهة الطبقية – السياسية – المطلبية.

ويأتي الأول من أيار هذا العام في وقت تراجعت فيه حقوق العمال، وتدهورت حياة ومعيشة مئات الملايين في العالم، وذلك بسبب الأزمات المالية والاقتصادية المتكررة منذ أزمة (1929 – 1932). وارتفعت نسبة البطالة ارتفاعاً كبيراً في أزمة عام 2008 التي ما تزال تتفاعل في بلدان عدة (مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وغيرها).

لقد نزل ملايين العمال في العالم العربي وعشرات البلدان إلى ساحات المدن وشوارعها، يهتفون بعيدهم ويرفعون الشعارات السياسية والمطلبية، ويطلقون في الفضاء البالونات الملونة بألوان أعلام بلدانهم تعبيراً عن فرحهم، مطالبين بالعدالة الاجتماعية والحقوق المشروعة والطبابة لهم ولأسرهم، وتحقيق التوازن بين الأجور الأسعار وتخفيض الأسعار، وتسهيل تعليم أبنائهم في المدارس الحكومية المجانية، وتأمين السكن المناسب والعطل الأسبوعية والرسمية المأجورة وتخفيض سن التقاعد .

وشهدت شوارع إسطنبول وعدد من المدن التركية، صدامات بين المتظاهرين والمحتفلين، وبين عناصر الشرطة ومكافحة الشغب المدججين بالهراوات. وسالت دماء العمال على أسفلت الشوارع والأرصفة. واستخدمت قوات الأمن خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، الذين حاولوا اقتحام الطوق الأمني للدخول إلى ساحة (تقسيم) التي كانت مركز التظاهرات المناهضة لحكومة أردوغان في العام الماضي. وطالب الرئيس المصري العمال في عيدهم، برفع شعار(صُنِع في مصر). وجاء في بيان الاتحاد المغربي للشغل (أن كل السياسات التراجعية للحكومة واستمرارها في الهجوم على الحقوق والحريات النقابية، وفي ضرب القدرة الشرائية للجماهير الشعبية) ضد مصالح العمال والكادحين. وهتف عمال تونس (لا إصلاح على حساب الحقوق الاجتماعية). وفي سورية أقيم مهرجان خطابي شاركت فيه الحكومة السورية والقيادات النقابية. وأشار رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال إلى أن الأول من أيار، رمز وحدة وتضامن العمال ونضالهم المشترك ضد الاستغلال والاستعباد الإنساني والاستعمار، بمختلف أشكاله لتحقيق العدالة الاجتماعية والسلم والأمن الدوليين.

وخرج نحو مليوني عامل في أنحاء روسيا الاتحادية. وفي الميدان الأحمر في موسكو لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 يتجمع مثل هذا العدد بعيد العمال. ورُفعت لافتات تقول: (أنا فخور ببلدي، وبوتين على حق). ورفعت في أثينا شعارات احتجاج على التقشف من أجل أوربا اجتماعية، مذكرين بأن الثروة هي ثمار جهود العمال وليس الرأسماليين.

ودعت النقابات في كمبوديا إلى التظاهر لدعم قطاع النسيج. وردد عمال أندونسيا وماليزيا وهونغ كونغ وسنغافورة وتايوان، الشعارات التي تندد بسياسة ارتفاع الأسعار ولا سيما أسعار السكن وزيادة التفاوت الاجتماعية. واحتشد مئات ألوف العمال في باريس والمدن الفرنسية، الذين احتجوا على خطة ادخار خمسين مليار يورو التي أعلنها رئيس الوزراء لدعم أوربا.

ويتعرض الفلسطينيون للسياسة العنصرية الإسرائيلية، فأجر العامل الفلسطيني يساوي 70 في المئة من أجر العامل اليهودي داخل الخط الأخضر، و40 في المئة من الأكاديميين العرب لا يعملون في مهن لها علاقة بدراستهم الجامعية. وأن البطالة في إسرائيل أكثر من 7 في المئة، بينما البطالة بين العرب تتراوح ما بين 25 في المئة إلى 28 في المئة.

إن التناقضات في عصر الرأسمالية تزداد حدة من جهة، ويزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً من جهة ثانية.. وكما أن الرأسمالية تطور أساليب الاستغلال والاستبداد والتضييق على حياة العمال وهامش الحريات، فالعمال والكادحون في العالم يستخدمون أشكالاً مختلفة من أساليب النضال لانتزاع حريتهم وتحقيق مطالبهم العادلة وبناء مستقبل أوطانهم.

العدد 1107 - 22/5/2024