خواطر انطباعية مستوحاة من أفكار الأديب الراحل

بعد قراءة مجموعة القصصية (تورق ذاكرتي) للراحل باسم عبدو الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 2013.

(1)

أن يكون الإنسان خارج موطنه الأصلي، وبعيداً عن بيئته، وبعيداً عن التراب الذي تعفر بذراته، وعن الماء الذي شرب منه منذ نشأته، فإنه سيكون مضطرب الفكر يعيش في عبودية النفس والقلب والروح للمكان الجديد، الذي يبقى دائماً خالياً من ارتباطه بالذكريات أو أي نوع من العاطفة أو التعاطف معه، يبقى بلا حياة حقيقية، لأن دماء الذكريات والانتماء التي تركها في بيئته، لن تجري في شرايين حياته الجديدة.

(2)

دائما يكون الإنسان رهين أحلامه وأمنياته التي ينتظرها، والتي يصعب تحقيقها، ويبقى رهين حالة الانتظار والترقب، لما سيحدث، أو ما سيكون، وحالة الترقب والانتظار هذه دائماً أيضاً ما تكون مرتبطة بحالة من الخوف والشعور بالضعف، ولا يشعر الإنسان بوجوده إلا في المكان المرتبط بذكرياته، وغالباً ما تتحول هذه الذكريات من قيمة عاطفية، إلى قيمة مادية تصير من مكونات المكان الذي يحبه، كما الأبنية والطرقات والأرصفة والحجارة.

(3)

الإنسان هو كائن جبان في مواجهة الغموض، خائف دائماً من شيء ما قد يحدث وقد لا يحدث، وغالباً ما يشعر بالضعف في مواجهة غير متكافئة مع الواقع، ويرى نفسه في بعض الحالات أصغر من عصفور، وأضعف من حمامة.

(4)

في الزمن العاري، تكون غاية القهر أن نضطر للكذب، أن نكذبَ ونحن نعلم أن مدى الكذبة أقصر من قبلةٍ، وأطول من همسةٍ بقليل.

(5)

في الزمن العاري لا يصدق أحدُ العاشقين، أن الآخر مصلوب لأجله، حتى وإن رأى دماء العشق تنزف من حول مسامير الصلب، فالشك أقوى من اليقين.

(6)

للألم ذاكرة لا يمكن غسلها، الألم لا يعترف بالزمن الماضي الذي حدث به، فهو في حاضرنا يتقمص دائماً، يأكل معنا ، يشرب معنا، ينام معنا، يتنفس في كل لحظة معنا.

(7)

هو حملٌ كاذبٌ منتفخٌ بالوهم والتمتماتِ والثرثرات، أن تكون أفكار الكاتب من نسج الخيال فقط، بلا ارتباطها ارتباطاً وثيقاً بالواقع الذي يعيشه المجتمع،  وأن لا تحمل الحلول للكثير من العقد الاجتماعية، وأن لا تصنع  الدواء لبعض الأمراض الموروثة.

 في المجتمع الذي تتحرك به آلاف القضايا بحركات عشوائية كالفرس الجامحة، يجب أن يكون الكاتب بأفكاره فارساً جيداً لترويض تلك الفرس.

(8)

يصير الوقتُ قاسياً عندما يمضي بنا وعلى جانبي خطواته تتساقط أوراق الذكريات، ويصير الزمن ليس له علاقة بالساعة وعقاربها، بل يصير له علاقة بشكل الظل الذي ترسمه شمس الحياة على أرصفة وعلى جدران السنوات المتراكمة، ذلك الظلُّ الذي ينحني دائماً ليلتقط ما حوله من ذكريات الانتظار الطويل المثقل بالتعب والشقاء، ذلك الانتظار الذي ينتهي بأن يصير ظلُّ العكاز الذي يستند إليه الظلُّ، أكبرَ من الظلّ نفسه.

العدد 1105 - 01/5/2024