من يعرقل الحلول السياسية في سورية؟

انتهج الأمريكيون خصوصاً، و(الغرب) عموماً، موقفاً سلبياً من الأزمة السورية منذ بدئها في 18 آذار2011 وكانوا ومازالوا داعماً أساسياً لما يسمى قوى (المعارضة)، وخاصة المرتبطة منها، بهدف إحداث تغيير خارجي إرادوي فوقي في سورية، وساهموا بشكل رئيسي في تنظيم المجموعات والعصابات الإرهابية وبلورتها، وما ترتكبه من أعمال قتل وعنف وتخريب وتدمير ممنهج ومنظم للبنى التحتية والمؤسساتية السورية الوطنية والخاصة، ووظفوا وكلاءهم وأدواتهم (العربانية) والإقليمية لاستكمال التغيرات التي حدثت في المنطقة العربية، وما سمي بثورات (الربيع العربي)، واهمين بتكرار هذا السيناريو في سورية، متجاهلين خصوصيتها الوطنية الداخلية، وطبيعة علاقاتها وتحالفاتها الخارجية الإقليمية والدولية.

وقد أفشل صمود الحالة الوطنية الداخلية السورية، ودقة وصحة تحالفاتها الإقليمية والدولية هذا المخطط، وأكدت ذلك الإنجازات السورية المتتالية، والتقهقر المتتابع للعصابات الجهادية – التكفيرية في غالبية المناطق السورية، وترافق الصمود والإنجاز السوري مع ازدياد هذه التعارضات والخلاصات في صفوف القوى المعارضة الخارجية ومع الاقتتال المسلح الدائر في أطر العصابات الإجرامية وهياكلها أيضاً، الأمر الذي اضطر الأمريكيين و(الغربيين) إلى مراجعة مراهناتهم السابقة وتقييمها، ومواقفهم (النظرية) حتى تاريخه، على مبدأ الحل السياسي، وعلى وثيقة جنيف، والتفاهم الروسي- الأمريكي، ثم مؤتمري جنيف الأول والثاني.. ورغم العديد من الملاحظات الجوهرية حولهما، وحول كيفية التعاطي معهما أيضاً، و(إجبار) أدواتهم ووكلائهم في المنطقة على الانصياع الاضطراري لمبدأ الحلول السياسية، كذلك أطياف من المعارضات الخارجية التي شهدت وماتزال انشقاقات وخلافات حول كيفية التعاطي مع الحلول السياسية المطروحة، التي يزداد التوافق الإقليمي والدولي عليها، وتختلف جبهة واشنطن و(الغرب) والوكلاء المحليين والعصابات حول طبيعتها.. وإن عكس هذا التحول، مرة أخرى، من شعارات إسقاط النظام الوطني السوري، والتغيير القسري الفوقي، إلى البحث عن حلول سياسية، واقع الحالة السورية القائمة، من انتصارات وإنجازات لسورية، إلى هزائم متتالية للعصابات والمعارضات، وما تمثله إقليمياً ودولياً، على أهميته، فإنه يطرح أيضاً كيفية التعاطي العملي الأمريكي والغربي مع هذا التحول، ويضع العديد من الملاحظات عليه أيضاً.

ففي الوقت الذي يواصل فيه السوريون إنجازاتهم الميدانية، المترافقة مع التزام سورية وشعبها وقواها الوطنية المبكر بالحل السياسي والاستحقاقات الوطنية الرئاسية والشعبية، تنظر الولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها إلى هذه الاستحقاقات بوصفها عرقلة لجهود الحل السياسي! وتواصل تدريب العصابات (المعتدلة) أو (المتطرفة) وتسليحها بالأسلحة غير (الفتاكة)، وتتقاسم مع أتباعها آليات ووسائل الدعم لها، وإذ تعلن واشنطن ومعها الكثير من الدول (الغربية) عن تضمين لوائح الإرهاب العديد من هذه العصابات، فإنها لا تتحدث عن آليات محددة دولياً لمكافحتها، ومواجهة ظاهرة التطرف والأصولية والتكفير والظلامية.

وتساهم هذه الانتهازية ما بين الموقف (النظري) المعلن، لاعتبارات عديدة، وما بين الموقف العملي من الأزمة السورية والالتزام الفعلي بمبدأ الحل السياسي واستحقاقاتها، في إطالة عمر الأزمة وكوارثها، ليس على سورية فحسب، وإنما ارتداداتها على هذه الدول أيضاً، عبر تفشي ظاهرة الإرهاب والتطرف الذي لا حدود له.

وفي هذا السياق ينظر إلى كلمة كيري في مؤتمر جنيف، وقرار الكونغرس الأمريكي، كذلك إعلانات العديد من المسؤولين الغربيين، حول مواصلة تسليح العصابات التكفيرية، وعرقلة عقد مؤتمر جنيف ،3 تعطيلاً عملياً للحل السياسي للأزمة ومستحقاته.

وهذا ما يفترض بهذه العصابات وهذه المعارضات أن تراجعه وتقيّمه وتستنج منه، أن الهدف غير المعلن يتلخص في إطالة عمر الأزمة السورية، وتداعياتها على السوريين جميعاً، وهذا ما تؤكده السنوات الثلاث الماضية أيضاً.

أما الوطنيون السوريون، فإنهم ماضون في طريقهم، نحو إنجاز الاستحقاقات السيادية الرئاسية والشعبية، ومواصلة المصالحات المناطقية، والحوار الوطني، وإعادة الإعمار والبناء وإصلاح ما سببته الأزمة، وإفشال مخططها، وهذا ما يجمع عليه كل وطني حريص على سورية الوطن، وعلى مستقبلها أيضاً.

إن الإقرار (النظري) أو (الاضطراري) بالحل السياسي، يمثل خطوة، وإن المطلوب هو ترجمة عملية لهذا الإقرار، وهذا ما على الجميع أن يدركه، بعد أن فشل مخطط الإسقاط والتغيير الخارجي وملحقاته.

العدد 1105 - 01/5/2024