فيما الأمريكيون يسطّحون الحلول السياسية.. والأوربيون يفضحون «ديمقراطيتهم» السوريون ماضون إلى تلبية الاستحقاق الرئاسي والمصالحات الوطنية

بعض المحللين، استناداً إلى فترة الصمت الأمريكية تجاه الأزمة السورية، استنتجوا أن هذه الأزمة لم تعد مسألة أولية على جدول اهتماماتهم. فالملف النووي الإيراني، والأزمة الأوكرانية التي أظهرت أنياب القطب الروسي المتحفز، سيطرت على تفكير الإدارة الأمريكية، وجعلتها -بحسب هؤلاء- تدفع بالملف السوري إلى خانة الانتظار.. لكن الوقائع لا تدعم هذا الاستنتاج المتسرع، فالإدارة الأمريكية مازالت ماضية إلى تصنيع معارضة مسلحة (معتدلة) تضم المجموعات الإسلامية الأقل تشدداً. وفي الوقت الذي تتدفق فيه الأسلحة النوعية الحديثة سراً عبر الحدود التركية إلى مخازن الإرهابيين، تتشارك الأجهزة العسكرية والأمنية الأمريكية مع الأركان التركية في تدبير خطط عسكرية جديدة.. لاختراقات جديدة في المناطق المحاذية للشريط الحدودي التركي السوري، بهدف رفع معنويات الإرهابيين التي وصلت إلى الحضيض، بعد تقدم القوات المسلحة، واستعادتها العديد من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها.

صحيح أن هذا السلوك الأمريكي لا يطفو على سطح الميديا العالمية، لطابعه السري، لكن الصحيح أيضاً أن كيري عبّر عن هذا السلوك في ختام مؤتمر (الأصدقاء) في لندن: مازلنا نتعهد بتغيير الأوضاع على الأرض في سورية! وحين ظهرت صواريخ (تاو) في أيدي الإرهابيين، أدرك المراقبون ماذا قصد كيري بـ(تعهّده).

لكن هذا التدخل لا يعجب صقور الإدارة الأمريكية، فمازال حلم العدوان العسكري المباشرة يراود مخيلة هؤلاء. يقول روبرت غيتس، وزير الدفاع الأسبق على محطة (سي بي إس نيوز): إن انتباهنا تشتت، وفقدنا الرؤية حيال سورية، عندما قبلت إدارة أوباما باتفاق التخلص من الكيميائي. أما صحيفة (واشنطن بوست) فقد طالبت أوباما بمعاقبة سورية وإعادة إحياء مخططات تنفيذ الضربة العسكرية على البنى التحتية.

مما تقدم نتوصل إلى استنتاج مفاده أن الأمريكيين لم (يهمّشوا) المسألة السورية، بل همّشوا جميع الجهود السلمية لحل الأزمة، وراحوا بعيداً في وضع سيناريوهات التصعيد.. بهدف تدمير الدولة السورية، لضمان إنجاح المساعي الهدامة المشتركة للتحالف الدولي المعادي لسورية وشعبها.

أما التابعون الأوربيون، إضافة إلى مساهمتهم المباشرة في الدعم العسكري والمالي و(المخابراتي) للمجموعات الإرهابية في سورية، فقد عمدوا إلى كبح رغبة السوريين المقيمين في أوربا في  المساهمة بالاستحقاق الدستوري الرئاسي، ومنعوا مشاركتهم بقرارات حكومية فضحت شعارات الديمقراطية التي تصدرت حملات تدخّلهم المباشر في الأزمة السورية، وهذا ما أضاف قناعات جديدة لدى السوريين بأن (الحرص) على حقوق الإنسان السوري، والديمقراطية الذي تعلنه الحكومات الأوربية ليس إلا شعارات فارغة تخفي وراءها سعياً حثيثاً لمنع قيام أي نظام سياسي ديمقراطي في سورية، يلبي طموح جماهير الشعب السوري إلى التعددية والحقوق الدستورية.

جماهير الشعب السوري وجدت في تقدم القوات المسلحة في ملاحقة الإرهابيين وقضم المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وكذلك نجاح المصالحات الوطنية في العديد من المناطق، وآخرها في القدم والعسالي جنوب دمشق، أسباباً تدعوها إلى التفاؤل بنجاح الحلول السياسية، وتوفير المزيد من دماء السوريين، وهي تفتح المجال أمام حل سلمي سوري بمعزل عن التدخل الخارجي.

كذلك فإن مساهمة السوريين في إنجاح الاستحقاق الرئاسي الدستوري، يعد حلقة أساسية في سعيهم من أجل غد بلادهم الذي يريدونه ديمقراطياً علمانياً معادياً للإمبريالية والصهيونية.. هذا الاستحقاق الذي نرى أن يستكمل باستحقاقات أخرى أهمها عقد الحوار الوطني الشامل للتوافق على مستقبل سورية، وإعادة إعمار البلاد بعد عمليات التخريب الإرهابية الممنهجة التي أصابت جميع القطاعات المنتجة والبنى التحتية، وحل المعضلات المعيشية والاجتماعية التي أوجعت الكتلة الشعبية الكبرى.

لقد أكدنا، في الحزب الشيوعي السوري الموحد، حرصنا على التحالف الوثيق الذي يجمعنا بالقوى والأحزاب الوطنية والتقدمية على قاعدة معاداة الإمبريالية والصهيونية والرجعية السوداء، والحلول السلمية للأزمة السورية، وتوافق الجميع على المستقبل السياسي الديمقراطي لبلادنا، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وعلى هذا الأساس دعمنا ترشيح الدكتور بشار الأسد في هذا الاستحقاق الدستوري، وعلى هذه القاعدة المتينة ندعو المواطنين السوريين إلى دعمه مرشحاً للقوى الوطنية والتقدمية.

العدد 1105 - 01/5/2024