«الكوتا» تمييز إيجابي.. ولكن..؟

يهدف نظام (الكوتا) إلى تعويض المرأة عن التمييز السلبي الذي تُعانيه في مناحي الحياة كافة، لاسيما السياسية منها، ذلك أن الثقة بها وبقدراتها خاصة في هذا المجال مازالت محدودة، إن لم تكن معدومة، بفعل العادات والتقاليد والتشريعات والقوانين التمييزية ضدها. ويجري اللجوء إليه في الحياة السياسية كخطوة هامة ورئيسية باتجاه تحقيق المساواة مع الرجل، وأيضاً كإجراء يهدف إلى تحويل مبدأ تكافؤ الفرص من الحيّز النظري إلى حيّز التطبيق العملي، بإعطاء المرأة حقاً سياسياً ثابتاً عن طريق تخصيص مقاعد لها في المجلس النيابي أو سواه، من أجل دعم مشاركتها السياسية وطرح قضاياها كافة إضافة إلى قضايا الأسرة بصورة أكثر فاعلية، باعتبارها الأقدر على خوض غمار هذه الميادين. ويظل هذا النظام قائماً إلى حين اقتناع المجتمع بقدرات المرأة وإمكاناتها.

ومع الاعتراف بان هذا النظام (الكوتا) يمثل نوعاً من التمييز الإيجابي، فإنه يبقى في إطار التمييز الذي يجعل المرأة دائماً ضعيفة وفي موقع المحتاج دائماً إلى المساعدة حتى تصل إلى مبتغاها أو إلى بعض حقوقها، وهذا ما نصّت عليه اتفاقية السيداو في المادة الرابعة:

المادة (4/1) _ لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، ولكنه يجب ألاّ يُستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة.

فالمساواة أمر لا بدّ منه لأنها هدف وغاية لكل نشاط للجهات المعنية بقضايا وحقوق المرأة، كما أنها حسب اتفاقية السيداو واجب جميع الدول التي صادقت عليها، من خلال سن الدساتير والتشريعات التي تضمن هذه المساواة.

غير أن تطبيق هذا المبدأ تعترضه بعض العراقيل والمعيقات التي تحدّ من الوصول إلى الغاية المنشودة منه، وذلك للأسباب التالية:

1- تَرَهّل المطالبة بتفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين وتطبيقه على المستويات كافة بما يتناسب مع ما وصلت إليه المرأة في المجتمع من مكانة علمية وقيادية وسياسية واقتصادية متميّزة تؤهلها لأن تكون شريكاً حقيقياً ونداً مساوياً للرجل دون تمييز في الحقوق كما في الواجبات.

2- أنه يُبقي المرأة في حيّز التبعية للقيادة السياسية التي تحدد عدد النساء اللواتي يحق لهنّ المشاركة، إضافة إلى حق هذه القيادة في اختيارهن وفق ما تراه هي، وهذا نوع من الإقصاء غير المباشر للنساء الكفؤات.

3- إن نظام الكوتا يقف حائلاً دون وصول نساء مستقلات وكفؤات إلى هذه المجالس، إضافة إلى أن معظم الواصلات غير مؤهلات لخوض غمار العمل السياسي أو النسائي، بمعنى أنهن لسن معنيات إلاّ بتمثيل مؤطّر ومزيف لوجود المرأة في هذه المواقع، مما يتركهن في حالة من اللامبالاة في التعاطي مع قضايا المرأة المطروحة في البرلمان، وخير مثال يمكن أن نورده الموقف السلبي من مسودتي مشروع قانون الأحوال الشخصية في العام ،2009 وكذلك مسألة منح المرأة السورية جنسيتها لأبنائها، وحملة وقف جرائم الشرف التي حصدت العديد من أرواح السوريات بحجة الشرف ولأهداف في معظمها بعيدة عن الشرف.

من هنا نجد أن نظام الكوتا رغم إيجابيته مرحلياً، لكنه يحمل في طيّاته سلبيات تُضرّ بالهدف الذي وضع من أجله. ثمّ من قال أن انخراط المرأة في العمل السياسي يقتصر فقط على الحياة البرلمانية، ألا يُعتبر وجودها ونشاطها سواء في الأحزاب أو مؤسسات المجتمع المدني أو غير ذلك كفيلاً بتأهيلها وتمكينها من ممارسة دورها السياسي، وفرض وجودها في هذا البرلمان وسواه.؟

نحن بحاجة إلى نساء متميّزات في مراكز القيادة وصنع القرار يتناسب مع ما وصلت إليه المرأة فعلاً من قدرات وكفاءة حازتها بكل جدارة واقتدار. كما أننا بحاجة ماسّة فعلاً أن تُعطى المرأة الفرصة لإثبات ذاتها وقدراتها بعيداً عن الكوتا والمحسوبيات بكل اتجاهاتها، لأن نجاح المرأة في ذلك سيشيع حتماً ثقافة مجتمعية جديدة تثق بالمرأة وبضرورة مشاركتها في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية وسواها.

العدد 1107 - 22/5/2024