المدينة الجامعية بدمشق.. معضلات تجاوزت مراكز الإيواء

تعُد مدينة الباسل في دمشق من أكبر المدن للسكن الجامعي في سورية، إذ يتوافد إليها كثيرٌ من طلاب المحافظات للدراسة والإقامة في دمشق.. ويعدّها الكثير من الطلاب البيت الثاني لهم. لا نستطيع أن ننسى الظروف التي تعيشها البلاد والتي أدت إلى إقبال أعداد كبيرة من طلاب المحافظات إلى دمشق، بسبب الأحداث المؤلمة التي تشهدها محافظاتهم، إذ لا نسمع منهم سوى جواب واحد (المدينة بوضعها الحالي لا تلبي حاجات الطلاب ومستقبلهم).

ازدادت شكاوى الطلاب من وضع السكن السيئ والمتزايد باستمرار منذ أعوام إلى يومنا هذا، ومن هنا أجرت (النور) تحقيقاً حول حياة الطلاب ومعاناتهم من المدينة، وظروف العيش والغلاء الذي يعانيه الطلاب.

وكانت البداية مع غالية (كلية الاقتصاد): (إنها ليست مدينة جامعية، هي مأوى لطلاب جامعة دمشق وبقية المحافظات، فبعض الوحدات يوجد بها عدة طوابق، وفي كل طابق ثلاثة أقسام وفي كل قسم يوجد تسع أو عشر غرف، فالغرفة التي كانت مخصصة لأربعة أو خمسة طلاب، أصبحت مخصصة لعشرة طلاب وأكثر، فمساحة الغرف صغيرة ولا يمكن لأحد أن يحصل على نتائج دراسته مع وجود هذا العدد الكبير من الطلاب في الغرفة، وفي أوقات الامتحان تقوم إدارة المدينة بضم طلاب الآداب وتوزيعهم على الغرف، فيصل العدد في معظم الحالات إلى أربعة عشر طالباً).

وقالت رنا (رياضيات): (يمكن للطلاب أن يحصلوا على نتائج في الدراسة فقط عند دراستهم في المكتبة، وذلك حصراً من الساعة العاشرة أو الحادية عشرة مساءً إلى منتصف الليل.. ففي هذا الوقت يذهب الكثير للنوم، وتستطيع أن تبدأ الدراسة وأنت تضع كوفية على الرأس وتلتحف ببطانية أو أكثر، لأن المكتبة باردة جداً والتدفئة تنعدم بها وبجميع غرف المدينة وصالاتها، فهذا العام لم تشغّل التدفئة سوى عند تساقط الثلوج لساعات محدودة).

ويقول أحمد (زراعة): (في المدينة سوق صغير يلبي معظم حاجات الطالب، ابتداء من المأكولات وانتهاء بالحلويات التي تشبه في أوقات كثيرة محال الكراجات، ولكن الشيء غير المعقول هو الأسعار وخاصة الخضار، فهي ترتفع عن مثيلاتها في أماكن أخرى بنسبة تتجاوز ال15 % فكثيراً مايذهب الطلاب لشراء حاجاتهم من أماكن أخرى.

وبإمكانك أيضاً أن تضع قانوناً جديداً لنظافتك الشخصية، فالمياه الساخنة تأتي في الأسبوع يومين فقط، ولساعات محدودة، وليس بإمكانك أن تأخذ دوشاً دافئاً إلا بعد شهر أو شهر ونصف، وإن أردت أن لا تنتظر لهذا الوقت فستضطر للذهاب إلى حمامات السوق والاستحمام بها)!

وتقول أيضاً فتاة امتنعت عن ذكر اسمها: (عندما يشرب الطلاب من مياه المدينة ينظرون إلى كأس المياه لبعض الوقت، فهنا المياه ملوثة بسبب عدم تنظيف الخزانات، التي تحتوي الديدان والحشرات.. وشاهد ذلك كثيرٌ من الطلاب عند الشرب أو الاستحمام، وأكد ذلك كثير من طلاب الوحدة السادسة والوحدة الرابعة عشرة، لأنهما من أسوأ الوحدات، فمظاهر التنظيف تنعدم بهما، والمدينة تتمتع بطوفان دائم في أنابيب الصرف الصحي، ابتداء من الغرف التي تحتوي على مغسلة وانتهاء بالحمامات والمطابخ.. ففي كل مرة يتم تقديم طلب صيانة إلى الاستعلامات، ولكن يمر أسبوعان أو شهر على صيانتها ويعود الطوفان، لأنه مضى على بناء المدينة عقود ويجب إعادة ترميمها، ففيضان الصرف الصحي في المدينة شيء يصعب على من كان خارج المدينة أن يلمس معاناته).

تقول ريما (موسيقا): (النظافة تنعدم في المدينة، هنا كل شيء متسخ، إن لم تحصل على سرير فأنت ستنام على قطعة أسفنجية يتم إخراجها من قبو ممتلئ بالفئران والعفونة، فالقائمون على التسليم يضعون القطع في نهاية كل عام في القبو ولا يتم تنظيفها، ويقومون في بداية العام بتسليمها للطلاب، وإن لم تحصل على قطعة فسيتم تسليمك بطانية لكي تضعها على أرض الغرفة تنام عليها وتلتحف بها، وإن لم يحصل هذا فأنت مجُبرٌ على النوم مع أحد الطلاب على سرير واحد أو قطعة أسفنجية واحدة. وإن أتينا إلى أمر الطبخ ففي الغرف لا توجد مطابخ يوجد فقط مغسلة، المطبخ يوجد في كل قسم ويتم الاستيلاء عليه من قبل الطلاب الذين يسكنون في الغرفة التي تجاوره، وتسمى غرفة المكتبة، وهي تضم مساحة كبيرة وتتمتع بشرفة على حرم الجامعة ويتم تسليمهم المطبخ بذريعة عدم وجود مغسلة في الغرفة، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فهذا مكان مخصص فقط لأصحاب المحسوبيات، فإن كان يوجد ورش صيانة في المدينة، فهل سيصعب عليهم تركيب مغسلة في هذه الغرف وإعطاء المطابخ لجميع الطلاب؟

الكهرباء تشكل المعاناة الأبرز.. والمولدات لا توزع القدرة الكهربائية على الجميع بالتساوي.. فوحدة طلبة الطب لا تنقطع فيها الكهرباء!

إن الميزانية المفتوحة التي أعطيت منذ أعوام لصيانة المدينة وترميمها هي ميزانية حقيقية، وقد بدأت ورش الصيانة تعمل بجهد، لصيانة أمور محددة، من تنظيف المدينة، إلى تلوين الجدران الخارجية وطليها، فبناء مضى عليه أربعة وخمسون عاماً أصبح ضرورياً إعادة ترميمه من الأساس.. فمعاناة الطلاب من السكن لم تبدأ خلال الحرب التي نعيشها، فمنذ أعوام كثيرة وكثيرة يعاني الطلاب من وضع المدينة، إن لم يكن من أجل راحتهم،  فليكن من أجل سلامتهم وحمايتهم من الأمراض والجراثيم التي تسكنها، إذ إن المدينة تحتاج إلى توظيف الكوادر والمستخدمين.. ونقترح أن يكونوا العاطلين عن العمل، ولكن هناك سؤال طرحه كثيرٌ من الطلاب: (إن أعطيت المدينة ميزانية لإعادة الترميم، فهل سيتم العمل بإخلاص وصدق دون فساد وسرقة)؟

العدد 1105 - 01/5/2024