التاريخ يصلب من جديد

لم تجف دماء الشعب العراقي، ما يزال النزيف يغذي أرض الرافدين، وكأنَّ التاريخ يصلب من جديد، على خشبة التحالف الأمريكي – الأوربي – التركي – السعودي – القطري.

لقد خطا المشروع التقسيمي خطوة أخرى في أرض العراق، بعد أن رسا على شاطئ الفشل في سورية، بتضحيات الشعب والجيش السوري، وتماسك مؤسسات الدولة، ووحدة النسيج الاجتماعي.

ومن الغباء أن نصدق التصريحات التركية، التي تدعي حرصها على العراق والشعب العراقي، فهي التي تقدم التسهيلات لعبور المسلحين (الداعشيين) إلى العراق.. ومن الجهل أن يرى أحد في ملوك وأمراء النفط الخليجي النوايا السليمة طيلة تاريخ آل سعود. فالسعودية وحلفاؤها من دول مجلس التعاون الخليجي هم من يسلّح ويموّل ويخطط ويدّرب التكفيريين والظلاميين. وساذج حتى الخَرَف من يصدق تصريحاً واحداً من أصحاب البيت الأبيض وماسكي مفاتيح السياسة الأمريكية.

يتساءل كثيرون بعد هذه المفاجآت المذهلة: هل يختلف (داعش) العراق، عن (داعش) في سورية؟ وكيف يدين بان كي مون وأوباما (داعش) العراق، ويتحالفان مع (داعش) سورية؟

لقد تشكل (داعش) بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ،2003 من بقايا الجيش العراقي وخاصة من الحرس الجمهوري، ومن ما يسمى (بفدائيي صدام). ومن جيش النقشبندي الذي يتزعمه (عزة الدوري).

إنَّ ما جرى في العراق يشبه تماماً ما جرى وما يجري في سورية، مع الاختلاف في أسلوب التنفيذ والهجوم وطبيعة المنطقة، علماً أن الهدف واحد وهو (تجميع الإمارات الإسلامية وتشكيل ما يسمى بالدولة الإسلامية من غرب العراق وشرق سورية).

لقد أخلى الجيش العراقي المدن وتركها للمسلحين الذين سيطروا عليها بسهولة دون حماية أو مقاومة أو إطلاق طلقة واحدة. واستولى الداعشيون على المعدات العسكرية من جميع الأنواع. نقلوا ما تمكنوا من نقله إلى المناطق الشرقية السورية، وتلقى المسلحون ضربت موجعة وهم يقومون بتدمير العلامات الحدودية.

وتتشابه مفاصل التاريخ ومحطاته لأية دولة في العالم، وإن لم تتطابق تماماً. فبغداد العاصمة التاريخية للعراق، نُكبت في نهاية صيف 1256 ، وأغرقتها السيول وجُرِفت معظم بيوتها ومتاجرها.. وسُلبت ونُهبت. ودخلت جيوش هولاكو القادمة من بلاد الروم العاصمة بغداد، عن طريق أربيل والموصل. وتميز عصر جنكيزخان بسياسة البطش والتدمير والحرق، كما فعل الأمريكان وحلفاؤهم الأوربيون قبل عشر سنوات.

لقد تتالت التصريحات ومدَّ الخوف أصابعه، وظهر القلق في بلدان الجوار وصولاً إلى أوربا وأمريكا من عودة الإرهابيين. وقال الرئيس الأمريكي: إن ما شهدناه في الأيام الأخيرة يظهر إلى أي حد سيكون العراق بحاجة إلى المزيد من المساعدات من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.. وقال أيضاً: إن الدعم يشمل الدعم العسكري والمعدات.. أما لافروف فكانت نظرته أبعد من ذلك، وحمَّل الولايات المتحدة وبريطانيا المسؤولية في ما يجري وقال: إن ما يجري في العراق دليل على فشل مغامرة الولايات المتحدة وبريطانيا، وأعلن عن تضامن روسيا مع القيادة العراقية والشعب العراقي.

سؤال آخر يطرق باب الأحداث من زاوية أخرى: هل تصريح الرئيس أوباما الداعي إلى ضرب (داعش) ينبعث من (نوايا سليمة) ويسعى للتدخل العسكري المحدود، فهو كما يبدو يقدم إشارة واضحة تكشف دون قناع أن التحالف الأمريكي –  التركي، يعمل لإجراء سبق عسكري لـ (حماية الشعب العراقي).. والسؤال يقدم الإجابة بنفسه: متى كانت الإمبريالية الأمريكية تحمي شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وتدافع عن حقوقها..؟!

المسألة غير ذلك.. فالولايات المتحدة التي كانت تعوّل الكثير على حلفائها بتنفيذ سياستها وضمان مصالحها في المنطقة، قد فشلت أو في طريقها إلى الفشل النهائي. وهي تدّعي حماية الحكومة العراقية والشعب العراقي ليس حباً وكرماً طائياً، بل خوفاً من التدخل الإيراني، خاصة بعد تصريح الرئيس روحاني الذي قال: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام الإرهاب.. ولن نتسامح مع العنف.. وأعرب عن ارتياحه لوحدة الشعب العراقي في مكافحة الإرهاب والعنف.. وأعلن أن إيران (حكومة وشعباً) تقف إلى جانب الشعب والحكومة العراقيين.

لقد أصبح الإرهاب العدو الظلامي للشعوب، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط بل في العالم.. وإن مكافحة الإرهاب وإيقاف العنف والقتل والتدمير، يبدأ من رفع يد الدول الداعمة له ومحاسبتها.. وإن الشعوب العربية المناهضة للإرهاب،  تناصر الشعب العراقي وتقف إلى جانبه هي السند القوي له، ولن تسمح للإرهابيين التكفيريين أن يدنّسوا أرض سورية وبلاد الرافدين.

العدد 1105 - 01/5/2024