بعد الانتخابات… سورية إلى أين؟

سيتذكر السوريون جيداً يوم الثالث من حزيران عام 2014 لاعتباره مفصلاً هاماً في تاريخ سورية المعاصر. ففي هذا اليوم توجّه الناخب السوري إلى صندوق الاقتراع، كي يجدد إيمانه بوحدة التراب الوطن وقناعته الراسخة بهويته الوطنية، وليؤكد تمسكه بالعيش المشترك، قبل أن يمنح معظم الناخبين أصواتهم للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية الدكتور بشار حافظ الأسد، في نسبة مشاركة فاجأت الجميع دون استثناء، مؤيدين ومعارضين.

هذه المشاركة الكبيرة، وإن اختلف البعض على تحديد نسبتها، جاءت لتؤكد أن غالبية الشعب السوري تؤكد إيمانه بالحل السياسي القائم على الحوار الداخلي مدخلاً للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد من نحو أربع سنوات، وضرورة مكافحة الإرهاب الوافد إلى وطنه. بعد أن تبين أن المطلوب هو إسقاط سورية والقضاء على دورها، تاريخاً وحضارة ورسالة، وليس تغيير نظام الحكم القائم في دمشق. فسورية هي رافعة إقليم بلاد الشام والمنطقة، وإن سقطت دمشق لن تقوم قائمة لأحد في المنطقة، وسيخضع الإقليم برمته لسيطرة القوى الخارجية: إسرائيل وأطماعها التوسعية، وتركيا وأحلامها الإمبراطورية. الدولتان اللتان ستلعبان دور العاقل في التحكُّم بالمنطقة وإخضاعها، بعد إنجاز عملية تفتيتها على أسس عرقية ودينية ومذهبية، وبذلك يكونان قد حققا نصرهما التاريخي على شعوب المنطقة وسكانها.

لقد جاءت هذه الانتخابات لتؤكد أن الشعب السوري قادر على تجاوز الفخ الذي نصبته له قوى الشر العالمية، والذي كان المراد منه تقسيم السوريين إلى أقليات متناحرة، وما يترافق مع ذلك من بعث الروابط العشائرية وإحياء النزعة الطائفية والإقليمية فيه، بحيث تعمل على خلق وعي زائف يتناقض مع المبادئ التي قامت عليها الجمهورية العربية السورية منذ تأسيسها حتى الآن. وأكد السوريون بذلك، أنهم، وإن اختلفوا مع النظام على أمورٍ كثيرة وسجلوا عليه مآخذ عديدة، إلا أنهم لم ولن يختلفوا فيما بينهم حول  ماهية الوطن ودوره ورسالته. وأثبتوا أن لا أقلية في سورية إلا الخونة والمرتزقة الذين ارتضوا أن يبيعوا أرواحهم للشيطان لقاء حفنة من الدولارات، ليكونوا بيادق في خدمة أجهزة استخبارات إقليمية ودولية.

نتائج هذه الانتخابات أصابت القوى والدول المشاركة في تدمير الدولة السورية وسفك دماء شعبها بصدمة قوية دفعتها إلى إطلاق تصريحات لا تمت إلى الواقعية السياسية والأخلاق الإنسانية بصلة، بل هي إلى الهذيان والجنون أقرب وأوضح. فمنهم من وصفها بانتخابات الدم، ومنهم من اتهم الحكومة السورية بسوق الشعب إلى صناديق الاقتراع بقوة الدبابات، في استعادة لمشهد الحكومة السورية تخبئ الدبابات في مداخل العمارات كي تقمع بواسطتها (المتظاهرين السلميين). وضرب الجميع بعرض الحائط التجربة السورية الأولى من نوعها منذ ما يقارب خمسين عاماًبإقامة انتخابات رئاسية تعددية يخوض فيها المتنافسون حملات انتخابية حقيقية، رغم بعض الملاحظات التي قد تُسجل على هذه العملية وطريقة تعامل الإعلام الوطني معها، الذي قد نجد العُذر له، لأنها المرة الأولى. إضافة إلى عدم احترام الحلف المعادي لسورية لقيم الديمقراطية التي أتت رياحها بما لا تشتهي سفنهم.

هذه العملية الانتخابية ونتيجتها يجب قراءتها قراءة عميقة واستخلاص نتائجها بطريقة علمية صحيحة والبناء عليها بمنهجية مدروسة، لأن أي قراءة خاطئة أو البناء على نتيجة جزئية منها قد يقود إلى عواقب وخيمة.

إنها تُعد بجميع المقاييس نجاحاً في تلبية استحقاق دستوري، ينبغي أن يستكمل بتلبية استحقاقات أخرى، كالاستمرار في عمليات المصالحة الوطنية، ووقف نزيف الدماء السورية، وعقد الحوار الوطني الشامل الذي يمثل توافق السوريين على الغد السوري الديمقراطي.. العلماني!

العدد 1105 - 01/5/2024