حول «رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد»

كتب صفوان قدسي*:

الرفاق والإخوة أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد

تحية المحبة والتقدير لكم وللحزب الشيوعي السوري الموحد، قواعد وقيادات.

قرأت باهتمام شديد النص الوارد في الورقة التي تحمل عنواناً لافتاً (رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد حول مستقبل البلاد بعد الأزمة) ووجدت في هذه الرؤية العديد من الأفكار التي تستحق أن توضع في موقعها اللائق من حيث مناقشتها مناقشة موضوعية، وإظهار وجهة نظر حزب الاتحاد الاشتراكي العربي فيها، وهي وجهة نظر تتفق وتتوافق مع الكثرة الكاثرة مما تطرحونه من أفكار تتناول قضية ينبغي أن نفرد لها حيزاً واسعاً من النقاشات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى مقاربة الصواب، إن لم أقل القبض عليه والإمساك به.

إن ما ورد في رؤية حزبكم بخصوص المجموعات الإرهابية المسلحة، ومطالبتها بما أسميتموه: (الاستدارة نحو العمل السياسي)، يستدعي نقاشاً عميقاً ينتهي إلى سؤال مركزي بخصوص إمكانية  تحقيق هذه الاستدارة، بعد كل هذه الجرائم الإرهابية التي تم ارتكابها، اللهم إلا إذا كانت لدى حزبكم القدرة على تغيير كيمياء العقل الحاكمة بأمرها في كل ما مضت هذه المجموعات إلى فعله عبر سنوات ست مضت وانقضت، متحفظاً هنا على استخدامكم في وصف هذا الذي جرى بأنه (غزوة بربرية)، وكان من المستحسن اختيار وصف آخر كأن تقولوا مثلاً إنها غزوة همجية، حيث إن البرابرة، وهم (الأمازيغ) إخوة لنا يراد لهم أن ينفصلوا عن تاريخهم وجغرافيتهم.

وفيما يخص كلامكم على (رد الاعتبار للثقافة التقدمية)، فإننا نرى أنه كان من المستحسن أن تشير هذه العبارة إلى الثقافة القومية بحيث تغدو ثقافة قومية تقدمية، لأن الثقافة التقدمية، من دون ربطها بالبعد القومي، يمكن أن تأخذنا إلى مكان آخر غير المكان الذي نعمل على الوصول إليه، خصوصاً أن العديد من قيادات الإرهابيين،
كانوا يدعون الانتساب إلى هذه الثقافة التقدمية، فإذا هم في حقيقة الأمر، مجرد امتدادات واستطالات لثقافات صنعتها المؤسسات الاستخبارية في العديد من دول العالم، وسوقتها وصدرتها وروجت لها.

إن ما ورد في رؤيتكم بخصوص الحاجة إلى تغيرات عميقة في بنية النظام السياسي، يبدو ملتبساً وقابلاً للتأويل على غير ما أنتم إليه قاصدون، وهي عبارة كان يمكن الاستغناء عنها من دون أن ينتقص من الفكرة التي أنتم عليها عاملون، وإلى تحقيقها ساعون.

يشاطركم حزبنا الرأي في مسألة (الوقوف بحزم أمام أي ظاهرة أو نزعة انفصالية أو تقسيمية في سورية.. تحت أي مسمى أو تبرير كالفيدرالية وغيرها)، وإن كنا لا نستحسن ما جاء في عبارتكم هذه من كلام حول (الأقليات القومية.. وحقوقها الثقافية)، لأن من شأن ذلك أن يفتح على بلادنا أبواب جهنم،
نظراً إلى وجود تعددية إثنية ودينية وطائفية ومذهبية قد يستهويها أن تكون لها خصوصية سرعان ما سوف تمضي إلى السقوط في أفخاخ الانفصال وتقطيع أوصال الخريطة السورية، وكذلك مكونات الشعب السوري.

ومن بعد ذلك، فإننا لم نفهم مقصدكم من مطالبتكم بتحويل المصالحات والتسويات إلى (مصالحات سياسية ووطنية)، وكذلك فإن كلامكم على الابتعاد عما أسميتموه (القيم العدمية) ظهر لنا كلاماً يعتريه قدر من الغموض، إن لم يكن الإبهام، ومثيل له كلامكم على (الإفراج عن الموقوفين السياسيين من ذوي الرأي)، لأننا لا نلمس وجود موقوفين سياسيين من ذوي الرأي.

ثم إن كلامكم على (الانتقال إلى النهج الديمقراطي التعددي) يتجاهل أننا، ومنذ قيام الحركة التصحيحية التي أفرزت صيغة متقدمة للعمل السياسي هي صيغة الجبهة الوطنية التقدمية، نعيش ونمارس حالة من التعددية الحزبية والسياسية، وبكل تأكيد، فإنكم ذاكرون لا محالة أن حزبكم، وجنباً إلى جنب مع أربعة أحزاب أخرى،
ومنها حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، هو من الأحزاب التي أسهمت في تأسيس هذه الصيغة التي نرى أنها الصيغة الأكثر ملاءمة للحياة السياسية السورية، لكن ما جاء في رؤيتكم بعد كلامكم على (لانتقال إلى النهج التعددي) يؤكد وجود هذا النهج، وإن كنا نوافقكم الرأي حول ضرورة (تفعيل دور الجبهة الوطنية التقدمية.. في كل المجالات).

أما فيما يتصل بنظام الحكم في سورية، وكيف ينبغي أن يكون عليه في المرحلة المقبلة، فإن حزبنا يرى، خلافاً لما يرى حزبكم، أن النظام الرئاسي، وهو نظام معمول به في العديد من دول العالم، هو النظام الأنسب للحياة السياسية السورية، من دون أن نتجاهل إمكانية ما جاء في رؤيتكم حول (النظام المختلط الذي يجمع بين محاسن النظام الرئاسي ومحاسن النظام البرلماني).

أما بخصوص ضرورة تعديل قانون الجنسية والأحوال الشخصية، فإن حزبنا يرى أن هذا التعديل ذو أهمية نوعية ينبغي أن تتسع لها أية صياغة جديدة لهذا القانون، من دون أن نغض الطرف عن أن هذه الضرورة التي نتشاطر الرأي بشأنها،
تواجه رفضاً متعنتاً من قوى فاعلة ومؤثرة ترى في إدخال أي تعديل على هذا القانون، خروجاً عن شرائع سماوية، من دون أن تأخذ هذه القوى بالحسبان حقائق العصر وأحكامه، وكذلك قوانين تطور المجتمعات البشرية، وشبيه بها ضرورة إحكام العقل في كل ما من شأنه أن ينهض بمجتمعنا إلى حيث ينبغي له أن ينهض.

وفي مجال الكلام على قانون الأحزاب، فإننا نشاطركم الرأي في ضرورة إجراء تعديلات عليه، وإن كنا نرى أن تكون هذه التعديلات جذرية، لا تكتفي بالصياغات اللغوية، حيث توجد في هذا القانون عيوب بنيوية تضع على هذه الأحزاب جهات وصائية تطلب الامتثال لقراراتها،
من دون أن نغمض العين عن ضرورة أن تكون هناك هيئة رقابية تملك الحق في معالجة أي انحراف وطني وسياسي يمكن أن يرتكبه حزب من الأحزاب، على أن تكون هناك مرجعية عليا لهذه الهيئة بحيث يتفاعل ما هو سياسي مع ما هو قانوني ويتكامل.

أما ذاك الذي ورد في رؤيتكم حول (تشجيع هيئات المجتمع المدني الوطني)، فإننا نرى أن هذه مسألة شائكة ومعقدة، خصوصاً إذا ما قرأنا قراءة موضوعية، ومستندة إلى وقائع ثابتة ومؤكدة، ما فعله العديد من هذه الهيئات في دول عربية عديدة، في سياق التحضيرات الخاصة بما يسمى (الربيع العربي).

ثم إننا نرى، تماماً مثلما ترون، أن (الفساد آفة اجتماعية واقتصادية تتحول إلى آفة سياسية، وإلى ثقافة راسخة)، وإن كنا نرى ضرورة إضافة صفة أخرى إلى هذه الآفة،
وهي أنها آفة أخلاقية من شأنها أن تسهم في زعزعة المنظومة القيمية، وهي منظومة أخلاقية بكل تأكيد، هذه الزعزعة التي من شأنها أن تودي بهذه المنظومة وأن تأخذها إلى الانهيار.

أما فيما يخص الوعي وما أصابه مما أسميتموه (تشوش نتيجة اتساع دائرة التعصب الديني.. والترويج للثقافة الدينية المتطرفة)، فإنا نرى أن ضعف الوعي سابق على المؤامرة والحرب، وأن هذا الضعف إن لم يكن غيابه، أسهم بهذا القدر أو ذاك، في تصنيع بيئة حاضنة للإرهاب، ومن دون أن ننسى أو نتناسى دور الهجمة الإعلامية الضارية التي تخصصت بها فضائيات عديدة، والتي مارست أعلى درجات الهرطقة الفكرية والزندقة السياسية.

وفي العمل على استعــــــــادة الوعي، لابد من بذل جهود مضنية، تبدأ من التربية المنزلية، وتمر بالمدرسة ومعلميها، وتصل إلى الإعـــــــلام الوطني المتكئ على وسائل منهجية لتخـــــــليق هذا الوعي، وهو أمر يحتاج إلى مثقفين وطنيين وقوميين يحسنون مخاطبة المشاهد والقارئ، ويخرجونه من الظلمات إلى النور.

تبقى بعد ذلك مجموعة من الأفكار والرؤى حول (الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي)، وهي تتلاقى مع العديد من أفكاركم ورؤاكم، من حيث الأضرار التي ألحقها باقتصادنا، اقتصاد السوق الاجتماعي الذي اكتشفنا أنه فلسفة اقتصادية جرى تصنيعها في دول أخرى، وتم استيرادها إلى أسواقنا كأي سلعة قابلة للاستيراد،
ويحضرنا في هذا السياق كلام سمعناه من كبير فلاسفة اقتصاد السوق الاجتماعي، وكان في زيارة إلى بلادنا قبل المؤامرة والحرب على سورية، واسمه (روب روب)، وهو المرجعية العليا للاقتصاد الألماني، وقد قال لنا في جملة ما قال، إن هذا السوق هو لألمانيا وليس لسورية، لأن لكم خصوصية ثقافية واقتصادية وقيمية وتاريخية،
لابد لكم من مراعاتها في مجال خياراتكم الاقتصادية التي ينبغي لها أن تكون صاعدة من بيئتكم وخصوصيتكم، من دون أن تتجاهلوا الفلسفات الاقتصادية التي تخص مجتمعات أخرى، ومن دون أن تصدوا أنفسكم عن الآخرين بالتعصب،
وكان مما يلفت النظر في كل ما قاله، هو أننا سمعنا الكلام نفسه، وبما يكاد أن يكون بالحرف الواحد، من (جهابذة) المروجين لاقتصاد السوق الاجتماعي في سورية، و(المسوقين) له، وهم الذين كانوا يعتلون أعلى مواقع السلطة التنفيذية.

أما في مسألة (المساءلة والمحاسبة) التي وردت في (رؤية) حزبكم، فإننا نتشاركز معاً في الدعوة إلى (دعم القدرة) على تحقيق هذا الهدف، وليس جديداً على أحد القول إن قاعدة الثواب والعقاب هي التي ينبغي لها أن تكون الحاكمة بأمرها، وإذا كان الثواب والعقاب موجوداً عند رب العالمين، وهو أمر تقره جميع الأديان،
ويعتنقه جميع المؤمنين، فكيف لأحد منا أن ينكر أهميته في ردع الفساد ومعاقبة المفسدين والفاسدين؟ وفي الكثرة الكاثرة من دول العالم، فإن هناك قوانين تحكم في هذا الشأن، ولولا هذه القوانين، لكان من شأن الفساد أن يعم وينتشر في جميع أصقاع الأرض.

ونحن نتذكر هنا كلاماً قاله (مهاتير محمد) في دمشق، وهو الذي كان له الفضل الأكبر في الارتقاء ببلاده (ماليزيا) إلى حيث هي الآن، وكان مما قاله هو أنه (ما من دولة في العالم تقوم بعملية تنمية واسعة،
إلا ويشيع فيها قدر من الفساد، لكن المهم بالنسبة إلينا هو أننا أبقينا الفساد تحت الطاولة، ولم نسمح له بالصعود فوق الطاولة، لأن هذا الصعود من شأنه تعميم ظاهرة الفساد وتحويلها إلى حالة شائعة وذائعة وتصعب مكافحتها، ولأن المتورطين فيها لا يمكن عدهم وإحصاؤهم).

أما ما ورد في (رؤيتكم) بخصوص دعوة حزبكم إلى (مؤتمر وطني للحوار)، فإننا نتساءل عن المقصودين بـ(ممثلين للمعارضة الوطنية)، وعن أية معارضة تتكلمون، وما هي المعايير الموضوعية في عملية تحديد من هم ممثلو المعارضة الوطنية، وكيف يمكن وصفهم بأنهم وطنيون أم غير وطنيين.

ذلكم هو السؤال.

دمشق 4 حزيران 2017
*الأمين العام لحزب الإتحاد الإشتراكي العربي

العدد 1105 - 01/5/2024