البذور السوداء

لا يمر يوم دون الحديث عن الإرهاب والإرهابيين، وهذه البذور السوداء زرعتها الولايات المتحدة وشركاؤها في سورية والمنطقة، وخلال عقود أنتجت محاصيل فاسدة من التخريب والقتل والجرائم والترويع والتكفير وغيرها الكثير.

الإرهاب – حسب التعريف العالمي – هو أي عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة، بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية. وهناك إرهاب فردي متعدد الأشكال منه: (الإرهاب الفكري والضغط النفسي والعنف الجسدي والتكفير الفردي والجماعي). أمَّا الإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون والخليجيون، فهو إرهاب يتصف بالشمولية، له أسبابه القريبة والبعيدة وعوامل تشكله، والظروف التي ينمو فيها ونتائجه المدمّرة. وهذه الدول تسخّر إمكاناتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية والفكرية، لتحقّق أولاً أهدافاً سياسية، وثانياً نهب ثروات الشعوب. بينما (رود ثورنتون) يعرّف الإرهاب بأنه: فعل ذو هدف رمزي يراد منه التأثير في السلوك السياسي عن طريق وسائل غير معتادة تشمل عادة استخدام العنف.

هناك من يصنف الإرهاب في أربعة تصنيفات هي (الإرهاب السياسي، والحربي، والجنائي، والنفسي). وتذكر مارثا هتشنسون، المختصة في الاستعمار الفرنسي للجزائر، إن عمليات الإرهاب التي مارستها القوات الفرنسية والتعذيب الذي مارسته ضد الجزائريين، هو المسبب للعنف العشوائي المضاد، بدافع الانتقام، من قبل المقاومة الجزائرية.

وبلغت تكلفة العنف في الجزائر 18 ملياراً و345 مليون دولار. وقُدّر الأثر الاقتصادي العالمي للعنف بنحو 9.8 آلاف مليار دولار، أي 11.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.لقد أنتج الإرهاب في سورية المآسي. وكان موسم الحصاد طويلاً من القتل والشهداء والتشريد والتخريب للبنية التحتية. وبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية لسورية في السنوات الثلاث الماضية 144 مليار دولار، أي 276 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2010 . وغادر سورية 12 في المئة من سكانها مع نهاية عام 2013 ، كما أن 45 في المئة من السكان تركوا أماكن إقامتهم. وغادر 63 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية البالغ عددهم 540 ألف نسمة، منهم 75 ألفاً تركوا البلاد و270 ألفاً نزحوا داخل سورية. وأصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية 2013 . و54 في المئة من السكان يعيشون حالة الفقر الشديد. و20 في المئة في حالة الفقر المدقع. وارتفع عدد الوفيات بمعدل 30 في المئة خلال النصف الثاني من 2013 .

ويقدَّر عدد الجرحى بنحو 520 ألف شخص، أي ما يعادل 3 في المئة، ووصل عدد الضحايا إلى 130 ألف قتيل مع نهاية العام نفسه.. والإحصاءات مستمرة وهي تزداد يوماً بعد يوم ما دام القتال مستمراً.

أصبح الإرهاب حاضراً بقوة، ويشكل جزءاً من الحياة العربية اليومية، ويترافق مع وجبات الطعام الثلاث. فالأطفال (مثل الكبار) اعتادوا على سماع القذائف ومعرفة أنواعها ونماذجها، في طريق ذهابهم إلى مدارسهم وإيابهم. وقد سكن الخوف في نفوسهم، من كثرة ما يشاهدون من صور على الشاشات كل يوم.. وكادوا أن ينسوا حياة الطفولة.

وتستمر عشرات الدول والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، في بذل المزيد من الجهود لمكافحة الإرهاب. وحث الرأي العام العالمي للاحتجاج على حكوماتهم التي تقدم التسهيلات لتدفق المال والسلاح والغذاء وشراء الذمم وتجنيد المرتزقة، وتوفير الإمكانات من أجل تجفيف منابع الإرهاب الدولية أولاً، وإحداث شلل لثقافة العنف والتكفير ثانياً، ونشر ثقافة التنوير والمحبة والتآخي والسلم ثالثاً، والاهتمام الجدّي بالثقافة الوطنية التقدمية، المناهضة للثقافة الظلامية المرتكزة على قواعد الجهل والفتنة والطائفية رابعاً. وخلق الوعي الذاتي وغرس المفاهيم الديمقراطية وتوسيع مساحة الحرية الفكرية وتطوير أدواتها خامساً، ونشر العدالة الاجتماعية بين المواطنين، وإعطاء القضاء الاستقلالية التامة، وإقامة المحاكم العلنية، وفضح الداعمين للإرهاب والإرهابيين سادساً.

لقد بدأت نيران الإرهابيين تجتاز حدود سورية إلى الدول المجاورة، وغداً سيصل اللهب إلى أوربا وأمريكا وإمارات النفط في الخليج.. وسيكون درساً في كيمياء السياسة الدولية المعادية للشعوب وللدول الداعمة للإرهاب.

العدد 1107 - 22/5/2024