تجار الأزمات السوريون.. نهب واستغلال المهجرين

تجار الأزمات هم الأكثر قدرة على الغنى وجمع الثروات الطائلة دون جهد وتعب، وهم الأقدر على اختلاق الظروف المناسبة ليقوموا بابتلاع دخول المُستغَّلين (بفتح الغين) والضعفاء اقتصادياً، والفقراء الذين لايملكون سوى قوة عملهم وجهدهم. والذين نتحدث عنهم اليوم، أخطر من تجار أزمات الغاز والمازوت والسلع الأساسية والرئيسية، وأكثر سوءاً من المتلاعبين والغشاشين الذين يرتكبون المخالفات الجسيمة، كما يُطلق عليهم قانون حماية المستهلك. الآن نحن أمام فئة شرسة، بلا قيم، تغيب عنها الأخلاق، غايتها تبرر لها كل الوسائل غير المشروعة (مبدأ ميكيافيلي)، هؤلاء تجار أزمات بامتياز، تجار أزمات الحروب والعنف، وشركاء فيهما بلاشك.

تعرض عشرات الآلاف من المواطنين السوريين الأبرياء، إلى التهجير من منازلهم وبيوتهم، نتيجة ما تشهده البلاد من أحداث دامية، وكانت وجهة هؤلاء المحافظات والمناطق الأقل عرضة للعنف المتبادل، والتي تشهد شيئاً من الهدوء النسبي، والاستقرار المؤقت على مايبدو، كون موجة العنف تتسع، ودوائره ـ أي العنف ـ تكبر، واحتمال تزايد حدته واتساع رقعته واردة جداً، وهذا ما لا نتمناه. ومايثير الحزن والقلق، أن فئة، أو عدداً من المواطنين الذين يحملون الجنسية السورية، استغلوا هؤلاء المهجرين أيما استغلال، وحاولوا بشتى وسائلهم غير الأخلاقية وغير النبيلة، أن ينهبوا ما تبقى من مال في جيوب هؤلاء، لتأمين سكن مؤقت ريثما يتوقف أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في المناطق التي يقطنون فيها، إلا أنهم وجدوا في المناطق التي أووا إليها بعضاً من أصحاب الكروش الكبيرة والقطط السمان التي تبحث عن ثروتها على أنقاض آلام الآخرين ومآسيهم.
الحكاية بدأت منذ 16 شهراً، إلا أنها تفاقمت تفاقماً شديداً عندما طال العنف المتبادل المناطق السكنية الأكثر اكتظاظاً، ومناطق المخالفات والسكن العشوائي، حيث لا توجد خدمات ولا بنية تحتية يتمكن قاطنو تلك الأماكن من اللجوء إليها في لحظات كهذه، كالملاجئ مثلاً، ما أرغمهم على الهروب تحت جنح الظلام وعلى وقع مشاهد العنف، والقصف والرصاص والقتل، إلى أي مكان يشعرهم بالأمان. هذا المشهد الذي يثير الحزن والقلق كان بالنسبة للبعض الآخر فرصة جديدة للربح، وعمد البعض إلى استغلال هؤلاء المهجرين من خلال تأمين سكن بديل لهم في مناطق تعد أكثر أمناً، إلا أن الأسعار كانت كاوية، والشراهة التي تعامل بها تجار الأزمات مع هؤلاء المظلومين والمغلوبين على أمرهم كانت مقيتة وكريهة، وغير إنسانية على الإطلاق، وفيها الكثير من الفكر الطفيلي المُستغِّل (بكسر الغين) الذي يتحين الفرص، لينقض كذئب شرس على ضحيته.
وفي الأسبوعين الأخيرين، ونتيجة لما شهدته بعض ضواحي دمشق من أعمال عنف، هرب قاطنو تلك الضواحي إلى أماكن أخرى، بعضهم وجد مأوى مناسباً عند أصدقاء وأهل، وتجلى التعاون لدى فئة أخرى، وظهرت أهمية وضرورة العمل الأهلي، وترسيخ فكرة التطوع التي يمكن أن تؤدي خدمات جليلة في ظروف صعبة وقاسية، مقابل تكشير تجار الأزمات عن أنيابهم، إذ ساهموا في رفع إيجارات البيوت إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، إضافة إلى استغلال حاجياتهم من أثاث وسلع غذائية واستهلاكية وغيرها. بل ظهرت مكاتب بشكل سريع تؤدي كل هذه الخدمات، مقابل المال، وليس المال الناجم عن تقديم هذه الخدمة، بل المال الذي سيُكتنز بوساطة الاستغلال.
وإن كان ظلم ذوي القربى أشد وأقسى، فإن ما حدث في بعض الدول المجاورة الشقيقة، ربما يدمي القلب أيضاً، نظراً لقساوته الخانقة، إذ استغل بعض تجار الأزمات في لبنان أيضاً، نزوح عدد كبير من السوريين إلى لبنان، وقفزت إيجارات البيوت بشكل هستيري، ونقل عن بعض وسائل الإعلام وبعض اللبنانيين أيضاً الذين كشفوا لـ (النور) أن بعض تجار العقارات رفعوا سعر إيجار الشقة نحو 10 أضعاف، مستغِّلين حاجة المهجرين رغماً عنهم، مادفع بالبعض إلى العودة فوراً، لتعذر وجود المال الكافي لديهم، وفضلوا السكن في منازلهم التي تتعرض لكل ما يمكن تصوره، ويعيشون في ترقب لحالة موت محتملة، على السكن لدى الأشقاء وتحت رحمة تجارهم.
 يتزايد تجار الأزمات، تجار الموت المعلن، وأولياء الموت الذي يتربص بالجميع، ومع هؤلاء لاتنفع إجراءات رادعة، أو عقوبات مشددة، كونهم يعملون بعقلية العرض والطلب، التي باتت فعلاً مزعجة، مملة، قاتلة جداً، وبحاجة إلى توقف، أو ربما اعتقال. كفى عنفاً، وقتلاً، وتهجيراً، وتدهوراً، وكفى.. تطهيراً.

العدد 1105 - 01/5/2024