التنمية.. وإعادة الإعمار المشهد قبل العاصفة وأثناءها

ينظر السوريون بقلق بالغ إلى النتائج المدمرة التي خلفتها الأزمة السورية، التي تحولت، بعد التدخل الأجنبي المتعدد الأشكال، من حركة احتجاجات سلمية إلى حرب تخوضها المجموعات الإرهابية الإقصائية الآتية من كهوف التاريخ ضد سورية الدولة والكيان الذي يضم نسيجاً اجتماعياً ودينياً متنوعاً ومتآلفاً، مدعومة من تحالف دولي  تزعمته الإمبريالية الأمريكية وشركاؤها الأوربيون ومشايخ النفط والعثمانيون الجدد. هذا القلق متشعب بتشعب الأضرار المرشحة للتفاقم مادام النزيف مستمراً، ومادامت أعمال التخريب والهدم هدفاً للمجموعات الإرهابية. ويتحول القلق إلى تخوف جدي كلما تضاءلت فرص الحلول السياسية، خاصة بعد افتضاح السياسة الأمريكية (البهلوانية) التي تسوّق للحلول السياسية قولاً، لكنها تدعم فعلياً المنظمات الإرهابية الإقصائية في السر والعلن، وتشجعهم اليوم على مدّ نشاطهم الإرهابي إلى دول عربية، وربما إقليمية، في سياق تنفيذ مخططها الرامي إلى شرق أوسط جديد يحقق استمرار هيمنتها على ثروات المنطقة، ويحابي أطماع الصهيونية في التوسع ضمن النسيج العربي بتسهيل من الحكام السعوديين.

سورية وشعبها في قلب الأزمة

واجهت بلادنا الأزمة بهياكل اقتصادية منهكة، وقطاع صناعي وخدمي ضعيف ومتخلف، إثر عقد من الزمن سادت فيه رؤية اقتصادية نيوليبرالية همّشت الاقتصاد الحقيقي وحفزت القطاعات الريعية، فتوقفت العديد من المصانع والمعامل والورش الخاصة، وفرضت قوى التحالف المعادي لسورية حصاراً اقتصادياً أدى إلى فقدان مستلزمات إنتاج الصناعات السورية، وغذاء ودواء المواطن السوري، وصار الأمن الغذائي للبلاد مهدداً، بعد تراجع الإنتاج الزراعي، وتراجع سعر صرف الليرة السورية مقارنة بالقطع الأجنبي، وارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات بنسب تراوحت بين 100 و500%، وفقد نحو 3 ملايين مواطن فرص عملهم، وارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 48%، وازداد عدد الفقراء والمهجرين، وتوقفت المشاريع الاستثمارية، وجرى تدمير إرهابي ممنهج للبنية التحتية، كقطاعات الكهرباء والمياه والسكك الحديد والمنشآت الصناعية وآبار النفط والجسور والطرق الدولية. وحسب المصادر الحكومية والخاصة، فقد بلغ مجمل الخسائر التي تسببت بها الأزمة، من دون الأخذ بالحسبان خسائر المواطنين، نحو 120 مليار دولار.

الصناعة السورية..خسائر مؤلمة

لم ينتهِ حتى الآن حصر الخسائر النهائية للقطاع الصناعي، وذلك بسبب استمرار الأزمة والأعمال المسلحة، ما يعني عدم تمكّن الجهات المعنية العامة والخاصة من الوصول إلى عدد غير قليل من المنشآت الصناعية لحصر الأضرار التي لحقت بها، ولذلك فإن خسائر القطاع الصناعي المعلنة حالياً نتيجة هذه الأزمة هي أرقام أولية، وحسب ما أعلنته وزارة الصناعة، بلغت خسائر القطاع الصناعي العام والخاص لغاية الربع الأول من عام 2014 نحو 500 مليار ليرة سورية.

لقد بلغ عدد الشركات السورية التي تأسست في مصر 365 شركة في عام 2012 فقط، ونعتقد أن عددها ارتفع بعد ذلك، وانتقل 80 مصنعاً سورياً إلى مصر، وتقدر الاستثمارات السورية في مصر بنحو  مليارَيْ دولار.

الأزمة دفعت الرساميل إلى الهجرة خارج سورية، فأدخل السوريون أكثر من مليار دولار إلى الأردن، وسجّلت فيه أكثر من 500 شركة سورية، كما بلغت الأموال السورية التي دخلت إلى لبنان نحو 11 مليار دولار، وظّف منها فقط مليار دولار في النشاط الاقتصادي اللبناني (1).

أما الصناعة النفطية فقد بلغت خسائرها، حسب أرقام وزارة النفط السورية، نحو 24 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.

الأمن الغذائي مهدد

وكان القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تضرراً، لا بسبب تقلص المساحات المزروعة بنسبة تبلغ نحو 35% فقط، بل بسبب هجرة اليد العاملة الزراعية، وصعوبة تأمين مستلزمات الزراعة من بذار وسماد وعلف، أما الهم الأكبر فكان تأمين المازوت اللازم لعملية الري بعد زيادة أسعاره، وصعوبة وصول الإمدادات الحكومية إلى المناطق الزراعية في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد، وهذا ما تسبب في انخفاض كميات المحاصيل الاستراتيجية وبقية المحاصيل، وزاد في الأمر سوءاً صعوبةُ تسليم هذه المحاصيل إلى المؤسسات الحكومية، بعد سيطرة الإرهابيين على مناطق زراعية واسعة، ومنع المزارعين من التعامل مع الدوائر الزراعية الحكومية، فتراجعت كميات القمح المسلمة إلى الدولة في عام 2014 إلى أقل من نصف مليون طن، في حين تبلغ حاجة البلاد للاستهلاك الداخلي بحدود 3 ملايين طن.

انعكاس الأزمة اجتماعياً

1ـ ارتفاع أسعار جميع السلع والمنتجات الحيوانية والنباتية والحبوب والأدوات المنزلية والمحروقات بنحو 5 أضعاف، حسب دراسة لغرفة تجارة دمشق.

2ـ خسرت القوى العاملة ما يقارب مليوني فرصة عمل، وارتفاع معدل البطالة إلى نحو 48%.

3ـ انضم نحو 5 ملايين مواطن إلى خانة الفقر، منهم نحو 3 ملايين مواطن في حالة أقرب إلى الفقر المدقع.

4ـ تراجع الأجور الحقيقية والدخول لجميع العاملين في الدولة والقطاع الخاص قياساً بارتفاعات الأسعار المستمرة، وفي حين بلغ متوسط الإنفاق الشهري للعائلة السورية قبل الأزمة- حسب دراسات الهيئة السورية لشؤون الأسرة- 30 ألف ليرة سورية، فقد ارتفع خلال هذه الأزمة بنسبة 300%، أما الأجور التي طرأ عليها زيادة حكومية فلم يتجاوز متوسطها في القطاع العام 16 ألف ليرة سورية، وفي القطاع الخاص 13 ألف ليرة سورية.

5ـ بلغ عدد من هاجروا من سورية نحو 3 ملايين مواطن، ونصف مليون من المقيمين.

6ـ استغل تجار الأزمات.. وأثرياء الحروب وبعض المحتكرين من التجار والسماسرة، والمضاربين بالعملة والأسواق السوداء، استغلوا الأوضاع السائدة خلال الأزمة، فمارسوا أشكالاً متعددة من الاستغلال، ساعدهم في ذلك قصور التشريعات التي سُنّت في العقد الماضي، والتي تركت الأسواق هنا لإرادة أسياد السوق (الحر) وقوانين العرض والطلب..! مما فاقم معاناة الجماهير الشعبية، وأصبح تأمين لقمة عيشها وغذاء أطفالها أمراً بالغ الصعوبة.

المراجع

1 – راجع فؤاد لحام: الصناعة السورية في ظل الأزمة.

العدد 1105 - 01/5/2024