التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة كفيلة بإفشال الأجندة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط

أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية رسمياً أنّ الجيش الأمريكي بدأ في الأردن قبل أيام، بمشاركة أردنية، بتدريب خمسة آلاف عنصر ينتمون إلى من أسماها البنتاغون (المعارضة السورية المعتدلة) وأن التدريب الذي يتم على قواعد القتال الأساسية سيجري قريباً في تركيا ولاحقاً في السعودية وقطر، تحت زعم أن خطة التدريب تهدف لمواجهة تنظيم داعش، في حين يؤكد واقع عمليات التحالف العدواني الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أن تلك العمليات لا تهدف في خلفياتها وممارساتها الميدانية إلى محاربة هذا التنظيم، بل إلى تحديد أماكن عملياته في الأراضي السورية والعراقية، بحيث يكون العدو الإسرائيلي المستفيد الأول والأخير من ذلك، باعتبار أن الإدارة الأمريكية لو أرادت تدمير التنظيم لحققته ذلك فعلاً ربما خلال يوم واحد، بينما على العكس من ذلك تعمل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. إي)على خلق فروع جديدة لهذا التنظيم في مختلف أنحاء العالم، في مصر وليبيا واليمن والباكستان وماليزيا ووسط آسيا ومنطقة القوقاز ونيجيريا وغيرها.

هنا لابد من التوقف عند التناغم الحاصل ليس فقط بين الموقفين الأمريكي والأردني، بل بين الموقفين الأمريكي والتركي أيضاً، وكذلك بين المواقف الأمريكية والسعودية والقطرية، وهو تناغم ناجم عن انصياع هؤلاء لإرادة السيد الأمريكي في تنفيذ المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، ويتجلى هذا التناغم في سعي واشنطن وعملاؤها لاستنزاف قوى المقاومة ونقطة ارتكازها سورية من جهة، وفي عدوانية واشنطن وحلفائها في المنطقة تجاه سورية ومحور المقاومة من جهة أخرى،

فقد تأكدت هشاشة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وعدم جديته، باعتبار أن ماتقوم به طائرات التحالف لايعدو كونه مجرد عمليات استعراضية الهدف منها النيل من الدولة السورية لا من التطرف، فيما يتم توظيف مواقف تركيا والدول العربية والأجنبية المشاركة في هذا التحالف العدواني الذي يدور في الفلك الأمريكي، في تنفيذ المخطط الصهيوني الرامي للهيمنة على المنطقة العربية برمتها، والذي يؤدي السيناتور الأمريكي جون ماكين دوراً مباشراً في تحريك هذا المخطط والتحريض على تنفيذه، فقد سبق لماكين أن قام بزيارة مناطق سورية متاخمة للحدود مع تركيا لبحث السبل والوسائل والكيفية لمحاربة الدولة السورية بما يخدم في النهاية المشروع الصهيوني الرامي إلى تفتيت المنطقة العربية وصهينتها بعد أن يفرغ من تهويد فلسطين المحتلة.

في هذا المنحى وعلى سبيل المثال من المفيد الإضاءة على جانب من المتغيرات الجيوسياسية التي جرت في العراق منذ الغزو الأمريكي له في العام ،2003 فقد جرى تفتيت الأرض العراقية وخلق مايشبه (الغيتويات) القائمة على أساس إثني أو مذهبي بتمويل من الكونغرس الأمريكي، فيما تنوي الولايات المتحدة الأمريكية توظيف تنظيم (داعش) لتقسيم العراق، مايؤكد عدم جديتها في محاربة هذا التنظيم بل مضيّها في دعمه بما يخدم مشروعها الرامي إلى تقسيم بلدان المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، ما يعني إيقاع شعوبها في شرك حروب أهلية قد تستمر سنوات وسنوات، (تُطرح الآن مثلاً  إمكانية إعلان استقلال إقليم كردستان عن الوطني العراقي الأم خاصة بعد أن أصبح هذا الإقليم يشكل موطئ قدم للقوات الأمريكية تحسباً لإمكانية مشاركة هذه القوات في عمل عسكري ما ضد إيران والمنطقة عموماً، إذا رأت واشنطن أن مصالحها الاستعمارية وأهدافها الاستراتيجية تستدعي ذلك، مع لفت الانتباه إلى إشارة مسعود البرزاني الصريحة خلال جولته الأمريكية، إلى الحلم الكردي القديم، بأن تكون لهم دولتهم المستقلة. وقوله ؟؟في مناسبة رعاها (مركز مجلس الأطلسي والمعهد الأمريكي للسلام)، (إنّ من المؤكد أن كردستان المستقلة قادمة… إنها عملية متواصلة لن تتوقف ولن تتراجع).

وفي عودة للتصريحات الأمريكية الخاصة بتدريب مقاتلين على الأراضي التركية لإرسالهم إلى سورية والتي تشير إلى أن هذه التدريبات ستستمر لمدة عامين، يمكن الاستنتاج بأن ثمة أجندات أمريكية متعددة خططت الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذها من خلال حرب مفتوحة ضد سورية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، في حين لم تلتزم الإدارة الأمريكية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178 ماجعل هذا القرار مجرد حبر على ورق، ويقوم ضباط مخابرات أتراك بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لتسهيل تسلل نحو خمسة آلاف من المرتزقة الأجانب إلى داخل الأراضي السورية، فضلاً عن قيام الجيش التركي بالمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية التي تستهدف مناطق سورية وخاصة في محافظة إدلب، مايؤكد انخراط المؤسسات العسكرية والأمنية التركية بالتنسيق التام مع الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي في العدوان على دولة مستقلة في انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، هذا التنسيق الذي يتجلى في جملة من الحقائق من أبرزها:

استقدام آلاف المرتزقة الأجانب إلى سورية وتزويدهم بصواريخ (تاو) المضادة للدروع، ومشاركة القوات التركية المباشرة في اجتياح بعض المناطق السورية وانتهاك السيادة السورية،

وشراء تركيا للنفط السوري من تنظيم داعش ما يعني تمويلاً تركياً مالياً مباشراً للتنظيم، ومعالجة جرحى داعش في المشافي التركية، وجرحى جبهة النصرة في المشافي الإسرائيلية، واستثناء تنظيم داعش لضريح سليمان شاه في ريف الرقة من التدمير بعد أن دمر العديد من الأضرحة.

لقد بات الجميع يدرك عدم جدية الإدارة الأمريكية في القضاء على الإرهاب، وعدم جديتها في العمل على تجفيف منابعه الأيديولوجية والمالية، من خلال إقامة شراكة بين الولايات المتحدة والتنظيمات المتطرفة وبعض حلفاء واشنطن في المنطقة وخاصة السعودية وقطر اللتين تساهمان في تصدير المتطرفين إلى سورية ودعمهم بالمال والسلاح، فيما تواصل المخابرات المركزية الأمريكية العمل على تصنيع مزيد من التنظيمات المتطرفة توظفها في خدمة المصالح الأمريكية، ولعل خير مثال على ذلك إقدام البنتاغون عام 2012 على فتح معسكرات لتدريب مجموعات متطرفة في الأردن على أيدي خبراء أمريكيين وتجهيزهم باحدث الأسلحة، مع الأخذ بالاعتبار الموقف التركي المهادن لتنظيم داعش، والتنسيق المستمر بينه وبين الحكومة التركية، والذي تستفيد أنقرة منه في تقوية مركزها ونفوذها الإقليمي تحسباً لأي تغيير في خارطة الشرق الأوسط حسب المخطط الأمريكي الرامي إلى تفتيت المنطقة العربية، الذي ظهرت بداياته الفعلية في العراق وتتكشف جوانب من فصوله في السودان وليبيا واليمن، وفق أجندات وحسابات أمريكية تخدم الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

غير أنه على الرغم من كل ماتقدم، يمكن القول إن الأجندة الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط لن تتحقق بالسهولة التي تتوقعها واشنطن ومن لف لفها، بسبب التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة التي تحققت بفعل التحالفات والتفاهمات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية القائمة حديثاً والمتمثلة بمنظمات البريكس وشنغهاي والإلبا والاتحاد الأوراسي مع الأخذ بالاعتبار الإمكانيات الاقتصادية التي تتمتع بها بلدان تلك المنظمات والتأثير الذي تعكسه هذه الإمكانيات على العلاقات بين تلك المنظمات وباقي بلدان العالم.

العدد 1104 - 24/4/2024