دقائق ما قبل السقوط في الهاوية المالية!

في البداية، كان لدى المفاوضين الجمهوريين والديمقراطيين متّسع من الوقت (ستّة أشهر) كي يصلوا إلى اتفاق يجنّب الولايات المتحدة الأمريكية السقوط فيما سُميّ بالمنحدر المالي أو الهاوية المالية (والتي تتمثّل في حزمة إجراءات تقشفية، من خفض للإنفاق العام، وزيادة في الضرائب تبلغ600 مليار دولار سيجري تطبيقها على الفور مع الساعات الأولى من العام ،2013 إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، وستكون كفيلة بإعادة الاقتصاد الأمريكي إلى حالة الانكماش). ثمّ ضاقت فسحة الأشهر الستة إلى بضعة أسابيع فبضعة أيام فبضع ساعات، حتى وصلنا إلى الدقائق الأخيرة التي تمّ فيها توديع السنة 2012 ولكن، من دون استقبال حافل ل (غودو) بطل مسرحية صموئيل بيكيت الشهيرة (في انتظار غودو) الذي يأتي ولا يأتي!..

وعلى الرغم من كثرة الدعوات والمفاوضات واللقاءات بين نجوم المعسكرين في الكونغرس خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من السنة الراحلة، ومظاهر الحميّة والحماسة التي تمّ تجييشها؛ فإنّ شيئاً من الحلول المنتظرة لم يُجترح، حتى باتت العملية من بدايتها إلى نهايتها جعجعة بلا طحن ومثيرة للسخرية!

الرئيس أوباما بدا متفائلاً يوم السبت الفائت، لكنه عاد يوم الأحد إلى التشاؤم، متهماً خصومه بأنّ همّهم الوحيد منصبّ على كيفية استفادة الأغنياء من التخفيضات الضريبية. أمّا البرلمانيون الأمريكيون فقد واصلوا الأحد مفاوضات التوصل إلى اتفاق يُخفّض العجز ويجنب البلاد الهاوية المالية. فقد اجتمع أولاً مجلس الشيوخ في الساعة الواحدة بعد الظهر بتوقيت واشنطن، بينما بدأ مجلس النواب جلسته بعد ساعة من ذلك أي في الساعة الثانية بعد الظهر، في إجراء نادر لمجلسي الكونغرس بأن يجتمعا في يوم واحد، هو يوم الأحد ويأتي ضمن عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة.

السؤال الذي يتدحرج بعد ذلك إلى المقدمة هو: هل سيتمكن المعسكران من التوصل إلى اتفاق في الساعات القادمة، حتى ولو كانت لاحقة للموعد المشؤوم؟

لقد أشرنا سابقاً إلى صعوبة الاتفاق، وربما استحالته نظرياً على الرغم من الحاجة إليه (براغماتياً)، ذلك لأنّ أوباما وأغلبية الحزب الديمقراطي يفضلان خطة تنص على تمديد خفض الضرائب للعائلات التي يقل دخلها عن 250 ألف دولار سنوياً من جهة، وتمديد منح تعويضات البطالة لمليوني عاطل عن العمل من جهة ثانية. ولعلّ في الأفق بعدئذ إمكانية حدوث مواجهة جديدة بشأن رفع السقف القانوني للدين العام الذي بلغ 16 تريليوناً و394 مليار دولار، هذا في حين يلحّ الجمهوريون على خفض الإنفاق بشكل أساسي بديلاً من زيادة الضرائب. الخطير في الأمر أنّ حالة الغموض وعدم اليقين السائدة حتى الآن بدأت تؤثر بالفعل، كما يقول بن برنانكي، رئيس مجلس المصرف الاحتياطي الاتحادي، بثقة المستهلكين والمستثمرين. وهذا مصدر الغموض المستمر، مضيفاً القول: (لن يكون بمقدورنا تفادي تداعيات الإجراءات التقشفية الحادة) .

الوقت إذاً بالنسبة للساسة الأمريكيين بدأ ينفد حتى في دقائقه الأخيرة، لكن هذه هي الولايات المتحدة التي اعتادت ضخّ الغموض وال (سوسبنس) على طريقة المخرج ألفريد هيتشكوك حتى الدقيقة الأخيرة، وحتى لو كان الأمر متعلقاً بمصائب من الأعيرة الثقيلة جداً!

العدد 1105 - 01/5/2024