حلف الناتو.. التحول من الدفاع إلى الهجوم

ما يزال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تأسس في 4 نيسان عام 1949  ويضم 28 دولة، حلفاً عسكرياً رأسمالياً إمبريالياً معادياً لحركات التحرر العالمية والعربية. له دور عسكري رئيسي معلن هو (حراسة حرية الملاحة وحماية الدول الأعضاء من أي اعتداء عسكري عليها، باستخدام حشد القوة العسكرية المتحالفة).

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفشل التجربة الاشتراكية وغياب حلف وارسو، الوجه العسكري المقابل للناتو والمواجه له خلال الحرب الباردة الطويلة، انفردت الولايات المتحدة الأمريكية التي أمركت أوربا بقيادة الحلف فازدادت رعونة وتدخلاً في شؤون الدول الداخلية، فهي الدولة المهيمنة الوحيدة في العالم التي تواجه الواقع الجديد بعد انتهاء الحرب الباردة، بقوة عسكرية كبيرة تحوَّلت من (العقيدة العسكرية الدفاعية إلى العقيدة العسكرية الهجومية). وأقامت تحالفاً عسكرياً جديداً يتلاءم مع مخططاتها التوسعية للقرن الحادي والعشرين، وحرب السيطرة على الموارد، كما جاء في الخطة الاستراتيجية للناتو.

لقد فشلت الدول العربية ومنظماتها (الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي، ودول عدم الانحياز)، في تشكيل حلف عسكري متكامل مماثل يحقق مقومات الأمن القومي والدفاع للشعوب والأمم. وباتت تابعة تبعية كاملة لإدارة أمريكا والغرب، مما أحدث خللاً كبيراً في ميزان القوى وتوازن المصالح، وحقق السيادة الإمبريالية الاستعمارية لأمريكا على دول المنطقة والعالم. وغدا التحالف الثلاثي الولايات المتحدة، والحليف الاستراتيجي لها إسرائيل، ومن خلفهم حلف الناتو حقيقة ملموسة. وقد حقق عدداً من الأهداف الاستراتيجية أبرزها:

1 – إذكاء الصراعات الدولية في العالمين العربي والإسلامي. ونسف منظومة القيم الوطنية والدولية وبضمنها الدينية والقومية.

2 – تحنيط القضية الفلسطينية، وتقزيم الصراع العربي – الصهيوني إلى صراع إسرائيلي – فلسطيني.

3 – تدمير العراق وتفكيكها، وإرساء منظومة مفاهيم وقوانين هجينة، تفتقر إلى التجانس مع البيئة المؤسساتية والاجتماعية العراقية ولا تخدم المصلحة العليا للعراق.

4 – فسح المجال للتمدد الإقليمي في العراق، بغرض إلغاء هويته العربية وإذكاء صراع الأجندات الإقليمية.

5 – المباشرة بتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، عبر محاولات التقسيم في العراق وسورية ولبنان والسودان واليمن والصومال. واتّباع سياسة التفكيك للوطن العربي، تمهيداً لجعله 56 دويلة بدلاً من 22 قطر عربي .. وهو مشروع صهيوني إمبريالي بامتياز، وإخراج العرب من معادلة الصراع وتغييبهم نهائياً.. وربما مسح خريطته من الوجود!

يتمثَّل الهدف الأساسي لحلف الناتو، في حماية حرية أعضائه وأمنهم (حسب نظامه الداخلي)، بالوسائل السياسية والعسكرية. ويقوم على أساس التشاور والتعاون في قضايا الدفاع والأمن لبناء الثقة ومنع الصراع على المدى الطويل. ويلتزم الحلف بالسعي لحل النزاعات – كما يدَّعي – بالطرق السلمية. وفي حال فشل هذا الحل، يمتلك الحلف القدرة العسكرية اللازمة لخوض عمليات إدارة الأزمات، ويتمّ تنفيذها بموجب المادة الخامسة من معاهدة واشنطن، أو بتفويض من الأمم المتحدة في إطار منفرد أو بالتعاون مع دول ومنظمات دولية أخرى.

عقد حلف الناتو مؤتمره مطلع أيلول. وحضر المؤتمر ما يقارب 60 رئيس دولة على مستوى العالم. ومن أهم القضايا التي ناقشها المؤتمر: الملف الأفغاني، والأزمة الأوكرانية، وإمكانية تشكيل قوة (رأس حربة) للتدخل السريع من آلاف الجنود، تكون قادرة على الانتقال إلى أي منطقة نزاع ساخن في غضون يومين. وبرز أيضاً اهتمام المؤتمر بعمليات (داعش) في العراق وسورية والحدود التركية، واستمرار تداعيات (الربيع العربي) في مصر وليبيا، وتقليص مهمة الحلف في أفغانستان، والمخاوف الإقليمية بشأن تهديدات الإنترنيت والنزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وفيروس إيبولا، والزيادة المرتقبة في الكوارث البيئية. والقضية التي أخذت نقاشاً واسعاً ومواقف متشددة أكثر من غيرها هي ما أطلقوا عليها ( المغامرة الروسية) في شرق وجنوب أوكرانيا. وأكَّد المؤتمرون أهمية فرض عقوبات جديدة على روسيا.

أحد قادة الناتو السابقين وصف قمة أيلول بقوله: (نشعر كما لو أنَّ العالم اليوم يواجه عدداً غير مسبوق من الأزمات العالمية على مستوى الأمن). وأضاف أيضاً (إنَّ قمّة 4 أيلول هي، بوضوح، الأهم منذ سقوط جدار برلين، بسبب الأزمات المتعددة التي تنتشر حول العالم في ذات الوقت..).

العدد 1107 - 22/5/2024