أشجار دمشق الميتة تورق فناً وحَكايا..فنانون تشكيليون سوريون يطلقون مشروع «حياة شجرة»!

هاهي ذي أشجار ميتة في حديقة المنشية وسط العاصمة دمشق هجرتها خضرتها وعصافيرها.. تسكنها أنامل فنانين تشكيليين ريثما تحيا من جديدٍ بالفن.. أشجارٌ خانتها جذورها فكانت السواعد السورية لها جذوراً جديدة.. ترويها من ذاكرة مترعة بالحضارة. إنها مجموعة (إيقاع الحياة) التي سبق لها أن نفّذت أعمالاً فينة باتت جزءًاً من العلامات المميزة لمدينة دمشق، وبدايتها اللوحة الجداريّة لسور مدرسة (بسام حمشو) في منطقة التجارة، التي استخدموا فيها بقايا الزجاج والسيراميك وقطعاً أخرى غير صالحة للاستخدام، لجعل الأسمنت كفستان فتاة أفريقية في يوم زفافها زاهياً زاخراً بالألوان يتألق تحت خصلات الشمس.

ثم بعد ذلك انتقلوا ليوسعوا العمل أكثر على سور ومحيط مدرسة (نهلة زيدان) في المزّة، وعن هذا العمل نالوا شهادة من مجموعة (غينيس) العالميّة كأكبر عمل إبداعي من المواد التالفة، وبعدها كان للمجموعة عملها الثالث في جداريّة قُدّمت في يوم الصحة العالمي في ساحة (شمدين)، ثم عمل رابع في منطقة التجارة من جديد وهي عبارة عن لوحة نحتيّة بمادة الإسمنت على جدار متحف العلوم اسمها (أسمنت ولون) وسيعلن عن انتهاء العمل بها رسمياً في وقتٍ قريب.

تحدثنا إلى أعضاء فريق العمل حول مشروعهم الجديد الذي ينظمه كلٌّ من وزارة التربية ومحافظة دمشق بالتعاون مع اتحاد التشكيليين السوريين. فصرح لنا التشكيلي علي مصطفى قائلاً: (مشروعنا الجديد هو عبارة عن ترسيخ للشجر الميت اليابس الذي عمره أكثر من 100 عام، فكنا سابقاً نعمل على جدران المدارس، أمّا هذا المشروع فمختلف تماماً، والشجر كبير الحجم والسماكة، وضعنا عليه رسوماتٍ تشكيليّة تاريخيّة تمثّل التاريخ السوري ابن هذا المكان، وبالتالي هناك نوع من المقاربة بين الشجرة المتمسكة بأرضها وجذورها والإنسان السوري الباقي الملتزم بأهله وأرضه وموطنه، بمعنى أن حالة العطاء مستمرة في حياتنا).

ومما صرح به الفنان موفق مخول، المشرف على المشروع: (فن النحت فنٌّ قديم عمره 10 آلاف سنة تقريباً، ومن خلال هذا المشروع ركّزنا على الرموز لإرجاع ذاكرة حضاريّة تهمّ المواطن، بطريقة بسيطة تجعله أكثر قرباً من العمل وقادراً على فهم هذه الرموز، وتعمّدنا هنا عدم الدخول في التجريد فهو مطروق في حدائقنا عموماً، وذلك من خلال النحت على الحجارة، أمّا في التعامل مع الخشب فهناك خصوصيّة، وطبيعة مختلفة، فهو يفرض حالة إنسانية أقرب من التعامل مع الحجر أو المواد الأخرى، ويتصف النحت هنا بالشكل النافر، ويروي قصة إنسانية تخصّنا كسوريين، مع المحافظة على الكتلة الخاصة بالشجرة، ومن دون تشويه شكلها، ومكانها الأساسي، وروايتها التاريخيّة).

وحول عناصر اللوحة وتأثير النزعة إلى التفريد في الأسلوب لدى كل فنان أجابتنا الفنانة صفاء وبي:

(إنها رسومات ورموز متعددة ومنها رجل بالزيّ الآشوري، وبالقرب منه لغة مسماريّة تدل على حضارة منطقتنا بالمجمل، ورموز مقروءة وزخرفات، كالعين والسمكة والوجوه وجسد المرأة وبيوت متداخلة وأحرف آراميّة، ووجه تدمري مع قطوع بيكاسيو، وتقطيع شكل المرأة، والبيت الشامي، بات من المتعارف عليه أن الحالة الفردانيّة في العمل التشكيلي هي الواضحة، ولكن هنا لغة التعاون هي الطاغية، فالمحبّة حاضرة لدى الجميع، وهناك رغبة أساسية في ظهور عمل مشترك مختلف بيدٍ واحدة، وتحت إشراف الفنان (موفق مخول ) فهناك روح لفريقٍ واحد منسجم ويتكامل في كل ما يقدّم من عمل).

ويستطيع المتأمل لهذا العمل الفني أن يلاحظ تجاور الأصالة والحداثة أو بمعنى أدق حوار الأصالة والحداثة، فهناك أشكالٌ انسيابية شُغلت بنفَس حداثوي وأشكالٌ أخرى لا تخضع لهذا النفَس. ويوحي هذا بوجود الماضي والحاضر وتداخلهما ضمن الحكاية الواحدة. يضم فريق العمل كلاً من الفنانين التشكيليين: موفق مخّول، علي مصطفى، هشام المليح، رجاء وبي، صفاء وبي، بمساعدة أيمن الظاهر.

العدد 1105 - 01/5/2024