مجموعة العشرين في ظلّ الرئاسة الروسية لها… هل تعدّل التعويذة الروسية في قواعد اللعبة العالمية؟

تحطّ رئاسة مجموعة العشرين رحالها هذه السنة في العاصمة الروسية موسكو، حيث انعقد في 15 و16 من شباط الحالي اجتماع وزراء مالية وحكام المصارف المركزية، وحيث ستعقد في أيلول القادم القمّة التي تجمع قادة الدول العشرين الغنية والناشئة، والتي تشكل اقتصاداتها  90 في المئة من الاقتصاد العالمي.

عديدة هي الرسائل التي حاول الاجتماع المنصرم توجيهها، لعلّ أهمها ما اتفق عليه الوزراء، بعد محادثات الساعات الطويلة، حول صياغة كانت أقرب من المتوقع إلى البيان المشترك الذي أصدرته، في وقت سابق، مجموعة الدول السبع، وأيدت تحديد أسعار صرف عملات من قبل قوى السوق فقط.

لكنّ مسودة البيان الذي اطلعت عليها الوفود أغفلت الدعوة التي أطلقتها مجموعة السبع بعدم استهداف أسعار صرف معينة على مستوى السياسة المالية والنقدية. أمّا النسخة النهائية فتضمنت التزاماً واضحاً من مجموعة العشرين بعدم الدخول في سباق لخفض أسعار العملات. وقالت إن السياسة النقدية ينبغي أن تستهدف استقرار الأسعار وتحقيق النمو، ما يعني إبعاد التهديد باندلاع حرب عملات، وتكييف التقشف المالي إلى جانب النمو العالمي، الذي لا يزال متعثراً بسبب الانكماش فى منطقة اليورو.. وفي هذا علّق وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن بالقول: (على العالم ألاّ يرتكب خطأ استخدام العملات على أنها أداة حرب اقتصادية، لأنها تضع الاقتصادات الغربية في مواجهة مع الصين، الساعية دائماً، من أجل تحفيز صادراتها، لبقاء سعر صرف عملتها الوطنية دون قيمتها الفعلية بصورة مصطنعة). وبشكل أكثر وضوحاً، قال وزير المالية الفرنسي بيير موسكوفيشي: (لقد اتفقنا جميعاً على رفض الدخول في حرب عملات).

كما تضمن بيان مجموعة العشرين أيضاً التزاماً باستراتيجية مالية للأمد المتوسط، لكنه لم يحدد أهدافاً معينة، إذ يحل هذا العام أجل اتفاق خفض الديون الذي جرى التوصل إليه في تورونتو عام 2010 إذا لم يتفق القادة على تمديده في قمة زعماء مجموعة العشرين في أيلول من العام الجاري بمدينة سان بطرسبرج الروسية .

من جهة أخرى، وفي وقت تواجه فيه الحكومات الغربية غضباً شعبياً إزاء كيفية إدارة بعض الشركات المتعددة الجنسيات لشؤونها الضريبية؛ أطلقت حكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا مبادرة مشتركة السبت الفائت،لاتخاذ إجراءات صارمة بحق تهرب الشركات المتعددة الجنسيات من الضرائب، على أن تُقدّم للمناقشة في اجتماع وزراء مالية دول مجموعة العشرين في شهر تموز القادم.

وفي هذا الصدد، قال وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله: (الدول الثلاث ستبحث عن سبل سدّ الثغرات التي تسهل على الشركات اختيار الدولة التي تدفع فيها الضرائب خاصة على الدخل المتنقل، كتلك المستحقة على الفوائد وتوزيعات أرباح الأسهم والعائد على حقوق الملكية).

من المفيد أن نشير بعد ذلك إلى التباينات التي لاتزال قائمة بين دول مجموعة العشرين حول مفاعيل التقشف، بعد أن دعا صندوق النقد الدولي إلى تخفيف التقشف المالي بغية عدم الإساءة أكثر إلى الاقتصاد، وبعد أن باتت المفوضية الأوربية على استعداد للتفكير بمهل جديدة من أجل خفض العجز في الموازنات. وتحاول روسيا، التى ترأس مجموعة العشرين هذه السنة، العمل على تخفيف حجم الأهداف التي تحددت في 2010 في تورونتو، عندما التزمت الدول الغنية في مجموعة العشرين بتقليص عجز موازناتها إلى النصف بحلول ،2013 رغم أنّ بعض الدول ومنها ألمانيا ترفض الذهاب بعيداً في تليين إجراءات التقشف. لهذا لم يتضمن البيان الختامي في موسكو أية إشارة  إلى أهداف محددة الأرقام، واكتفى بالإعلان عن  ضرورة تحديد استراتيجيات ذوات صدقية على المدى المتوسط، وعبر التكيف مع وضع الاقتصاد، ومع هوامش المناورة المالية لكل بلد على حدة.

أخيراً، ولعله أولاً، فإنّ السؤال المهم الآن بالنسبة للاقتصادات الناشئة والناميّة بالمعيّة هو: هل ستنجح (التعويذة) الروسية  في تحقيق إضافة ما أكثر إيجابية على قواعد اللعبة الاقتصادية العالمية، التي تُدار منذ سنوات بالتنجيم والشعوذة؟                                                              

العدد 1105 - 01/5/2024