نسخة طبق.. الفكر

(التاريخ يُعيد نفسه) جملة لم تُقَلْ عن عبث في هذا الزمن الذي تقوم به الأسر بصنع نسخ عنها عن طريق السكنر الفكري الذي يخلق منتجاً من الأبناء المشوّهين الذين سيتابعون نفس النهج المريض بزرع ذات الجذور المتعفنة!

كيف لهذا الجيل أن يعدل عن كل تلك المورثات النتنة، والآباء تَنْحَتُ عقولهم رويداً رويداً وتُغلِقُ كل مسامات التحضّر والانفتاح.. كيف لذاك الجيل وهذا أن يصنعا مستقبلاً مغايراً مبنياً على ماضٍ يهتك به فايروس التقاليد العربية المجتمعية المبنية على الكذب والنفاق والاضمحلال الأخلاقي!!…كيف سيحترم ذاك الشاب أخته وهو تربى على اعتبارها الكائن الأضعف المُحلل ضربه وتعنيفه وقمعه في ظلّ العنصرية التي يُربى عليها بأنه الذكر الأفضل حتماً من أنثى!!

يكبر الشاب ويتقدّم سناً ليصل إلى مرحلة يشعر فيها أنه بات بحاجة لتشكيل أسرة، بغضّ النظر عن مؤهلاته المادية والفكرية لفتح هذا البيت! غير آبه بما سيعكسه هذا النقص من فوبيا مرضية ستودي بمستقبل ذاك الجيل الذي يُفترض أن تُرمى عقد التربية الفاشلة عن كتفه ليحمل جينات فكرية أنظف من أفكارهم!

تزوج.. وزادت أسر المجتمع الفاشلة _مع سبق التوقع_ أسرة جديدة

يولد ذاك الصبي(الطفل الأول) ويملأ الأب الدنيا فخراً واعتزازاً بأنه الفحل الذي أنجب ذكراً، يُرجّله على صغر ويبدأ بتلقيمه ذات الأفكار التي ورثها بذات الطريقة رغم أنه مرّت عليه ذات أيام ناهض فيها أبويه على حشوهم الفكري الفاسد الذي ساهم باعوجاج شخصيته!

لكنه تلقائياً يزرعها بطفله من جديد، يعلمه كيف يكون صلباً لا يبكي وبلا مشاعر.. جّافاً وقاسياً يضطهد الجنس الآخر مثل أسلافه.. يعلمه كيف يكون ذاك الكائن الوقح الذي لا يعيبه شيئاً والمُصرّح له دون غيره حرية الحياة فقط لأنه مميّز عنصرياً عن أخته الأنثى!

ويُخطئ الآباء عند استخدامهم أساليب خاطئة في التربية كالتذبذب في المدح والتأنيب، فيُعاقب الطفل على سلوك معيّن مرّة ويُمدح على نفس السلوك مرّة أخرى وهذا نلاحظه في حياتنا اليومية من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم مثلا: عندما يسبُّ الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذات الفعل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني كالضرب والتوبيخ، ليقع الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو على صح أم على خطأ.

وغالباً ما يترتّب على اتّباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين، وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوج تكون معاملته مع زوجته متقلبة متذبذبة، يعاملها برفق وحنان تارةً، وتارةً يكون قاسياً بدون أيّ مبرر لتلك التصرفات!.

وُلِدَتْ الأنثى(أخته) على أنها الضلع القاصر الضعيف المنتهكة حقوقها، فقط لأنها أنثى ربّاها أهلها على الرضوخ.. فتأتي أمها (الأنثى أيضاً) لتعلّم ابنتها بكل الطرق والوسائل أن هذا المجتمع خُلِقَ للرجل وهي ليست إلاّ أداة تقول كلمة حاضر على فترات متفرقة، في الأولى لأبيها والثانية لأخيها ثم زوجها..وآخراً ابنها! بغضّ النظر عن باقي الذكور الأقارب!

لتُربيها على أنها ليست كائن كامل يحمل كل القدرة على القرار وتقرير المصير دون الحاجة لرجل يمنحها تأشيرة قبول! ولتخضع لذاك العنصر الذكوري المفروض عليها حتى لو بأسوأ الحالات!…ويفتخر الأب بعدها معتزاً بتربية الأم لابنتها.. فها هي إذن تُربيها على الطريق الصحيح..(باعتقاده)!

ليكبر هذا الجيل كما الذي سبقه يحمل النهج عينه ليورثه للذي بعده.. وهلما جرّة حتى نستنتج من كل جيل جديد أن التاريخ يعيد نفسه دون تطهير لذاك المستنقع الفكري القذر.. الذي ينتج مع الأسف جيلاً لا يقل فشلاً عن أسلافه!

العدد 1107 - 22/5/2024