محطَّات وركائز (1924 – 2014)

تستحقّ الذكرى الـ 90 التي يحتفي بها الشيوعيون السوريون في ظروف استثنائية معقَّدة، التوقف في محطَّات رئيسة يربطها تاريخ نضالي وطني طويل، وأجيال من الشيوعيين المكافحين من أجل تقدّم سورية وازدهارها، ومن أجل التحرر والاستقلال والسلام، وضد أي تدخل خارجي وضد استغلال الإنسان للإنسان، وضد الاستعباد والاستغلال والظلم، ومن أجل حقوق المواطن كاملة دون نقصان، وتحقيق المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو القومية.

الحزب الشيوعي ليس حاجة مؤقتة عابرة، ظهر في فترة زمنية لتلبية أهداف سياسية، وعندما تتحقق هذه الأهداف ينتهي دوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، ويتحول إلى صورة تراثية تتعلق على الجدران، بل تأسس الحزب منذ تسعة عقود على أيدي  مجموعة من المثقفين والعمال الذين تسلَّحوا بالماركسية، فهو حاجة موضوعية، ولا تزال هذه الحاجة تؤكد وجود هذا الحزب في سورية، إلى جانب الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية، وعدم إفراغ الساحة السياسية السورية من هذه القوى. الحزب الشيوعي غرسة نمت في التربة الوطنية، ولم تقدر الأشواك التي حاولت خنقها أن توقف نموها وتمنع جذورها من التغلغل عميقاً في الأرض الطيبة، فظلّت رغم هبوب الرياح العاصفة صامدة، وقد انحنت أغصانها قليلاً كي تمر العاصفة، إلاَّ أن هذه الغرسة تفرّعت ونمت وشمخت وتبرعمت وأثمرت، وأنتجت حزباً مكافحاً صلَّبته المعارك السياسية والوطنية التحررية والطبقية.

الحزب الشيوعي هو الحزب الذي انتظر تشكله العمال والفلاحون والمثقفون الثوريون والشاب والنساء وجميع الكادحين، ليكون الحزب السياسي المؤثر والفاعل في تطور المجتمع.

سؤال يتكرر دائماً في ذكرى التأسيس: لماذا يحتفل الرفاق اللبنانيون بذكرى التأسيس في 24 تشرين الأول، والشيوعيون السوريون يحتفلون في 28 من الشهر نفسه؟

عقد الاجتماع التأسيسي في ضاحية (الحدث – بيروت) في 24 تشرين الأول عام ،1924 فاعتبره اللبنانيون تاريخاً للتأسيس. أما الشيوعيون السوريون فيعتبرون 28 تشرين الأول هو تاريخ التأسيس، أي بعد أن اعترفت اللجنة التنفيذية به عضواً  في الكومنترن (الأممية الشيوعية). وقُبِلَ فرعاً مستقلاً له عام 1928. 

الركيزة الأولى لمسيرة الحزب بعد مرحلة التأسيس من 1924 إلى ،1930 كانت نشر الوثيقة البرنامجية التي صدرت في 7 تموز ،1931 بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس الحزب.

وعقد مؤتمر زحلة عام 1934 بدعوة من الحزب وبمبادرة من الكاتب سليم خياطة. وكانت الوحدة العربية البند الرئيس في جدول أعمال المؤتمر.

وعقد أيضاً مؤتمران عامان للعمال في سورية ولبنان. وصدر العدد الأول من جريدة (نضال الشعب) في حزيران من العام نفسه.

وصدر بلاغ عن وزارة الداخلية عام ،1945 يقضي بحل الأحزاب، لكن الحزب أعلن عدم شرعية هذا البلاغ من الناحية القانونية واستنكاره له وعدم الالتزام به.

وفي عام 1946 أذاع الحزب نداء بمناسبة يوم الجلاء عن سورية، حدَّد فيه اتجاهات الحزب النضالية لفترة ما بعد الاستقلال وزوال الانتداب الفرنسي.

وفي 11 آذار عام 1955 صدرت جريدة (النّور)، وأوقفت عن الصدور في كانون الأول ،1958 ثم عادت مشرقة بهية نضرة في 13 أيار 2001.

ومن أبرز المحطات الثقافية التي يمكن التذكير بها، والتي ساهم ببنائها ورعايتها الشيوعيون السوريون، تأسيس رابطة الكتاب السوريين عام 1951 وتأسيس رابطة الكتاب العرب عام 1954. وقال الشاعر والأديب شوقي بغدادي عن الرابطة: (لم تخلق بالتأكيد من فراغ.. إنها في اعتقادي محصلة صعود تقدمي يساري).

وساهمت المجلات التي أصدرها الشيوعيون في سورية ولبنان وأصدقاؤهم، بدور كبير في الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافة التقدمية. ومن هذه المجلات، مجلة (الطليعة) التي استمر صدورها من 1935 إلى 1939. ومن أهدافها، بعث كل ما هو تقدمي في أدب العرب وتاريخهم وتراثهم الفكري القديم. وأن العدو الأول للحركة الوطنية العربية وللإنسانية، هو النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا. والمجلة الثانية التي ما تزال تصدر منذ أربعينيات القرن العشرين حتى الآن هي مجلة (الطريق).. وصدر قبلها مجلات منها: (الإنسانية، والدهور، والطليعة..).

هذه بعض المحطات التي نذكَّر بها في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الشيوعيين، كمقدمة لمقالات أخرى ستكتب في الذكرى التسعين.

العدد 1105 - 01/5/2024