ماذا بعد قمّة اليوم الواحد في بروكسل؟

عقد زعماء الاتحاد الأوربي الأربعاء الماضي قمة مداها يومٌ واحد فقط في العاصمة البلجيكية بروكسل. تصدّر جدول أعمالها البحث عن الوسائل اللازمة لإعادة ضخ محفزات النمو الاقتصادي في إطار استراتيجية التعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تواجهها منطقة اليورو والاتحاد الأوربي بشكل عام.

كما بحث قادة الدول الأعضاء في الاتحاد (27 دولة) ملفّ سبل مواجهة التهرب الضريبي وملف الطاقة لجهة تحسين كفاءة استهلاكها.

وكما كان متوقعاً لم تصدر قرارات واضحة ومحددة بشأن مجمل القضايا العالقة في ظل عدم وجود أزمات ضاغطة على جدول الأعمال، على الرغم من اعتبار قضية التهرب الضريبي إحدى أهمّ القضايا على أجندات أعمال القادة الأوربيين، خصوصاً بعد أن نجحت وسائل الإعلام في الكشف عن عمليات تهرب ضريبي بمئات المليارات من اليورو، الأمر الذي يحرم الخزائن العامة للدول الأوربية من إيرادات هي في أمس الحاجة إليها، وبعد أن ألقت وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة الضوء على الملاذات الضريبية الآمنة في أوربا مثل النمسا ولوكسمبورج وقبرص وليختنشتاين.

ووفقاً للتقديرات، يحرم التهرب الضريبي حكومات الاتحاد الأوربي من نحو تريليون يورو سنوياً، وهو مايترك مرارة في الحلق مشفوعة بالغضب الشديد كلما لجأت هذه الحكومات إلى تبنّي إجراءات تقشف صارمة تؤثر في مستويات معيشة الملايين من مواطنيها بدعوى العجز الشديد في موارد الخزينة العامة.

في هذا السياق، يقول برناديت سيجول، رئيس اتحاد عمال أوربا: (سرية الحسابات المصرفية والمراكز المالية الدولية والملاذات الضريبية الآمنة تسرق الأموال التي نحتاجها لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي، وهذه الأمور إلى جانب السياسات التقشفية تسهم بشدة في توسيع الفجوة بين فئات المجتمع).

أمّا اللجنة الاقتصادية الاجتماعية الأوربية فتقول: (الحكومات لا تستطيع تحمل خسارة الإيرادات الضريبية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي قلصت مخصصات المستشفيات في دول مثل اليونان، فلم تعد المستشفيات قادرة على توفير الرعاية الصحية لجميع المرضى، في حين اضطرت دول أخرى مثل البرتغال إلى تقليص مخصصات التعليم).

كما ركّز قادة الاتحاد الأوربي في القمة أمس، لأول مرة، على أسعار الطاقة التي ارتفعت بنسبة 27% بالنسبة للصناعات الأوربية في الفترة من سنة 2005 إلى سنة ،2012 بحسب ماذكره هيرمان فان رومبوي رئيس الاتحاد الأوربي، الذي سبق له أن حذّر من أن أوربا أصبحت القارة الوحيدة في العالم التي تعتمد على استيراد مصادر الطاقة، إذ يتوقع تجاوز الاعتماد على المصادر المستوردة 80% من إجمالي احتياجات أوربا من الطاقة بحلول سنة 2035.

وقد قيل عن محادثات اليوم الواحد هذه في مقر الاتحاد الأوربي في بروكسل بأنها ستكون مكرسةً للمعركة السياسية التي ستخوضها المعارضة الأوربية للكشف عن ضرائب غير مدفوعة مخبأة في سويسرا، كما ذكرنا في المقدمة (رغم إعلان كلّ من النمسا ولوكسمبورغ عن عدم نيّتهما تقديم سجلات مصرفية من دون مواجهة). ولكن، حين يجتمع القادة الأوربيون في بروكسل ليوم أو لأكثر؛ فليس من المفاجئ في شيء أن تطغى على أعمالهم مسألتان مقلقتان على الدوام: الأولى هي البطالة، التي تضم تحت جناحها 26 مليون عاطل من العمل في دول الاتحاد، والثانية هي الانكماش، بل أطول انكماش تشهده منطقة اليورو والمستمر منذ 18 شهراً.

ومع ازدياد مظاهر السخط الجماهيري وتظاهرات الاحتجاج المنتظمة في عدة دول أوربية احتجاجاً على ما يعدّه المواطنون عواقب مدمرة لبرامج التقشف الوطنية، بدأ القادة الأوربيون يشعرون بالضغط لضرورة القيام بتحرك ما. وهذا ما عبر عنه مسؤول أوربي رفيع المستوى ومتابع لتحضيرات القمة في بروكسل حين قال لوكالة (فرانس برس): يجب أن يقدم القادة شيئاً من ذلك الذي سيؤدي فعلاً إلى خلق وظائف وفي وقت قريب، مضيفاً أنّ المعركة ضد التهرب الضريبي وتهريب الأموال لن تؤدي إلى نتيجة في المستقبل القريب.

ومن المعلوم هنا أنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حاولا استخدام هاتين المسألتين اللتين يتقاربان حولهما أساساً لاتفاقات بين الدول الأعضاء ال 27 في الاتحاد، لكن هذه المرة يرى دبلوماسيون أن من الصعب على القوتين الموجهتين في الاتحاد التوصل إلى نتيجة.. فألمانيا تواجه مخاطر الاقتراب من الانكماش، فيما عادت فرنسا بالفعل إلى الانكماش، كما تواجه دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوربي صعوبات مماثلة، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في هذه الدول خصوصاً في ألمانيا التي ستكون فيها المعركة الانتخابية حامية الوطيس في أيلول القادم، وإنّ غداً لناظره قريب، كما يُقال في الأمثال العربية!

العدد 1105 - 01/5/2024