تسعون عاماً دفاعاً عن الوطن والشعب.. وعلى العهد مستمرون

حزب الجلاء.. وحرية المواطن.. وكرامته.. وخبزه

حزب الكادحين.. والمرأة.. والشباب والمثقفين

حزب النضال ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية السوداء

أجيال بحالها تعاقبت على حمل راية الحزب منذ عام 1924 حتى اليوم، إنه الحزب الشيوعي السوري الذي لم تنكس راياته طيلة الأعوام التسعين التي انصرمت، ولا وهنت عزيمته يوماً.

إنه الحزب الذي حمل على كتفيه راية الوطن منذ الأيام الأولى لولادته، بل وولد من رحم المسألة الوطنية وغليانها، حين تكالبت كل الإمبراطوريات الاستعمارية على نهش الأمة العربية وتقاسم أشلاء الإمبراطورية العثمانية المنهارة، وهبّ الشعب السوري متصدياً لأطماع الاستعماريين الفرنسيين والبريطانيين في التقسيم والتجزئة.

كان الحزب حاجة موضوعية ماسة للتحرك المطلبي الجنيني آنذاك المتجه صوب العدالة الاجتماعية مقدمة لخلق وعي اشتراكي تنامى مع الزمن، وولد الحزب الذي اعتنق الفكر الاشتراكي العلمي الذي شعّت أنواره منذ ذلك الحين، وأصبح بشكل أو بآخر، البرنامج السياسي لكل الأحزاب الوطنية والقومية حتى يومنا هذا.

أجل.. كان الحزب الشيوعي السوري حزب النضال الوطني ضد الاحتلال، وجزءاً لا يتجزأ من الثورة السورية العارمة التي رافقت ولادتها نشوء الحزب، وظل يناضل من أجل جلاء الاستعمار الفرنسي، بكل الوسائل المتاحة لديه، حتى شاعت تسميته بحزب الجلاء، فقد ظلت المسألة الوطنية تمثل القضية المركزية ومحور التناقض الأساسي، كما في الأمس، كذلك اليوم.

قاد الإضرابات العمالية والانتفاضات الفلاحية، وأسس النقابات والجمعيات الأهلية، يوم كان الاحتلال الفرنسي يصادر أنسام كل حر وكل مطالب بها، وتعرض كوادره للسجن والنفي والتعذيب، فكان يزداد قوة على قوة.

تبنى الحزب مطلب الحرية والديمقراطية للفرد كما للمجتمع، وبرز هذا المطلب حاجة موضوعية وشرطاً أساسياً للنضالين الوطني والاجتماعي، وأداة بيد الطبقة العاملة لتحسين موقعها في الصراع الطبقي الذي كان يدور في البلاد، وبلور مطالبه الديمقراطية من خلال المناداة بدستور يصون الحريات العامة والفردية، ووقف ضد الاعتقالات الكيفية، وساند حرية التظاهر وحرية الصحافة، ولم يكن وحيداً في ذلك بل كان الحزب سباقاً إلى المساهمة في تأسيس جبهات وتجمعات وتحالفات قائمة على المناداة بالحريات الديمقراطية.

احتل النضال الأممي والقومي حيزاً بارزاً في عمل الحزب وفي فكره، ووضعه في مقام التفاعل والاندماج مع المسألة الوطنية السورية، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الأقطار العربية الشقيقة واستقلالها، وبطموحها إلى الوحدة العربية هدفاً استراتيجياً، وصاغ رؤيته لها من حيث مشروعية هذا الطموح وضرورة إقامته على أسس صحيحة وديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار الخصائص الموضوعية لكل قطر على حدة.

كما تميز الحزب بإقامته أوثق العلاقات الأممية مع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي السابق وباقي الحركات الشيوعية والعمالية العالمية التي لعبت دوراً كبيراً في دعم نضال شعبنا العربي السوري في الحفاظ على حريته واستقلاله وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي.

تعد المرحلة التي امتدت من عام 1954 حين سقطت الديكتاتوريات العسكرية إلى 1958 تاريخ الدخول في وحدة مع مصر الشقيقة، من أهم المراحل التي مرت بسورية، وقد انتكست هذه الوحدة لأسباب تتعلق بالتآمر الاستعماري والرجعي العربي عليها، ولأسباب تتعلق بأخطاء عديدة وقعت فيها السلطة آنذاك، منها حلّ الأحزاب وتسلّط الأجهزة الأمنية على الحكم، وكان أن دفع الشيوعيون ثمناً باهظاً لذلك، ولكنهم كانوا يميزون بين الوحدة وحكم الوحدة التي اغتالها الانفصاليون الذين تضررت مصالحهم الطبقية من  التأميمات الواسعة والإصلاح الزراعي الذي جرى أثناء الوحدة، والذي دافعت عنه  الجماهير التي أسقطت حكم الانفصال الرجعي.

وعند قيام ثورة 8 آذار 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي استعاد التحالف بينه وبين حزبنا مقوماته، وتطور بعد حركة 23 شباط ،1966 ومن ثم تأطر واتخذ منحى مؤسساتياً بعد قيام الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد 1970 وتأسيس الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 التي وطدت عرى التعاون بين أحزابها، والتي جرى في ظلها العديد من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وقد لعب حزبنا دوراً هاماً في قيام هذه الجبهة، وفي المناداة بتطويرها وتعميقها، وبتوسيع الحريات الديمقراطية للحركة الجماهيرية، وللأحزاب الوطنية.

تعرضت سورية منذ الثمانينيات من القرن الماضي لسلسلة من التطورات الخطيرة التي كانت انعكاساً للهجوم الإمبريالي العام الهادف إلى توطيد نظام الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ،الذي كان يتجلى بشكل رئيسي في التآمر على القضية الفلسطينية، وقد انصب حقد الاستعمار وإسرائيل على سورية بسبب مقاومتها لهذا التآمر ودعمها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية.

عندما حصل الانهيار في المعسكر الاشتراكي السابق والتراجعات في الحركة الشيوعية العالمية، اهتزت القناعات لدى البعض، وانحرفت بعض الأحزاب عن الفكر الاشتراكي العلمي، لكن حزبنا وقف بقوة إلى جانب التمسك بهذا الفكر، ورأى أن ما جرى هو انهيار لتجربة لا لفكر، وأن الرأسمالية ليست مستقبل الشعوب، ويقع على عاتقنا التعلم من تجاربنا وأخطائنا والتجديد في فكرنا وممارستنا.

وعلى أساس هذه الأفكار تمكن الحزب من التماسك والحفاظ على وحدته الفكرية، ولكن عملاً كبيراً ينتظرنا إن قبلنا تحدي التجديد الفكري والعملي.

وعندما بدأت أحداث آذار عام ،2011 اتخذ الحزب موقفاً واضحاً منها، فقد اعتبر أن القوى لاستعمارية والرجعية استغلت مطالب مشروعة وأخطاءً كانت تتراكم خصوصاً في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي، من أجل تنفيذ مخططات كان يجري التحضير والإعداد لها مسبقاً من أجل إسقاط الدولة الوطنية السورية. وكان أن انتقل هذا المخطط من طوره السلمي في البداية إلى طابع العنف المسلح، وتوسع بعد توافد المجرمين بعشرات الألوف من مختلف دول العالم ليعملوا في البلاد قتلاً وذبحاً ونسفاً وتدميراً، كما تطور التدخل الخارجي واتخذ طابعاً دولياً تعرضت فيه سلامة البلاد للتهديد.

وبعد فشل هذه الخطة في تحقيق أهدافها، استعملت الولايات المتحدة ورقة المنظمات التكفيرية الإرهابية، وساعدتها منذ البدء على تكوين مشروع دويلة إرهابية تحمل زوراً وبهتاناً طابعاً دينياً عالمياً.

إن حزبنا حدد منذ البداية أن أهدافه السياسية في المرحلة الراهنة تتمثل فيما يلي:

1- الدفاع عن الوطن ضد مخططات المشروع الإمبريالي في المنطقة، وضد الإرهاب، وضد الجماعات الإرهابية المسلحة، والنضال ضد آرائها البائدة التي لفظها التاريخ، ونشر الثقافة الوطنية العلمانية.

2- دعم الجيش العربي السوري في تصديه الباسل للإرهابيين ودعم الجهود الإنسانية في حل قضية المهجرين إلى الداخل والخارج وإنقاذ الجرحى وتحرير المخطوفين والتخلص من التجاوزات والسرقات.

3- الوصول إلى حل سياسي لأزمة البلاد، وعقد مؤتمر وطني واسع يضم كل القوى الوطنية التي ترفض الاستقواء بالخارج، ينبثق عنه إطار وطني عريض.

4- تطبيق التشريعات الإصلاحية التي أقرت وخاصة الدستور وتعديل قانون الأحزاب.

5- التخفيف من الضائقة المعاشية التي يعاني منها المواطنون والتخلص من تجار الأزمات وأثرياء الحروب.

ويؤكد حزبنا باستمرار أن إرادة التغيير وانتقال البلاد إلى مجتمع ديمقراطي تعددي وإلى بناء دولة علمانية تقدمية مدنية هو الذي يقوي مناعتها ضد الإرهاب وضد أي عدوان خارجي في الحاضر والمستقبل.

إن عودة السلام إلى ربوع البلاد، وإعادة إعمار ما هدمته أيادي العدوان والإرهاب هو جوهر سياسة حزبنا، التي تمثل استمرار التواصل بين ما هو إيجابي في فكرنا وثقافتنا، والمستقبل المشرق الذي نَعدِ به أجيالنا الشابة التي تنتظر منا الشيء الكثير.

العدد 1104 - 24/4/2024