لَبٍنة جديدة تُخلخل البناء الفكري

 يُعتبر العمل قيمة أخلاقية كبرى، وهذه القيمة كباقي القيم الأخلاقية لا تعترف بالفروق التي وضعها البشر، كالفروق الجنسية أو الاجتماعية أو العرقية أو الدينية، معتمدين في تكريسها على الفروق الفيزيولوجية بين الذكر والأنثى، فـ(القوة العضلية التي يمتلكها الذكر لا تمتلكها الأنثى)، ولهذا قُسمت بعض الأعمال على أنها من اختصاص الرجال فقط، وهذا تمييز على أساس الجنس.

إلاّ أن الواقع الذي نعيشه اليوم يدحض كل تلك النظريات والأقاويل، فالفتاة باتت تعمل سائق سيرفيس، أو كابتن طيارة، أو مهندسة كهرباء، عملها على أعمدة الكهرباء ويدها بيد زميلها الرجل، وغيرها من المهن التي كانت حكراً على الرجال فقط، وليست الحاجة المادية هي الدافع الوحيد لهذا التغيّر والتحوّل، بالرغم من أهمية هذا العامل الناجم عن المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة، عزباء كانت أم متزوجة. ففي ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي نحياه وبحكم غياب الرجل لأسباب مختلفة، وحتى في ظل وجوده بجانبها، فإن المسؤوليات التي أضحت واقعةً على كاهلها أكبر بكثير مما كان في السابق، مما جعل بحث المرأة عن عملٍ تقتات به هي ومن تعيلهم وتحمي ذاتها وتقيهم ذلّ الفاقة والحاجة ومد اليد للآخرين هو أمر في غاية الضرورة… وكثيرات هن النساء والفتيات اللواتي يعملن بمختلف المجالات مقابل رفضهن المساعدة من الغير…

لا يقتصر دخول الفتاة إلى عوالم مختلفة ومستهجنة اجتماعياً فقط على الحاجة المادية، بل باتت الفتاة تدرك مكامن القوة في ذاتها أكثر من ذي قبل، وقناعاتها تترسخ أكثر فأكثر في أنها شخص جدير بالحياة بكل اتجاهاتها، وإن قصدت أن تقوم بعمل ما فإنها ستقوم به ولديها كل الإمكانات ولن يردعها رادع، وتحديداً إن وفقت بأسرةٍ متفهمة لرغباتها وإمكانياتها وواثقة بقدراتها.

مع أن فتياتنا بدأن بخوض غمار تلك المجالات الممنوعة سابقاً، مٌتحدياتٍ الأحكام الاجتماعية المُسبقة، مُبرهنات أنهن قادرات على تحقيق الذات، إلاّ أن نسبتهن لا تزال بسيطةً مقارنةً مع النسبة الأكبر التي لم تمتلك الجرأة أحياناً للوقوف في وجه التحديات الأسرية أو المجتمعية، أو لم تمتلك الثقة بإمكانياتها ولا القناعة التامة بأنها مساوية للرجل في مجالات العمل، لكن هذه النسبة الصغيرة ستنمو وتكبر يوماً بعد يوم، وستعمل على تغيير كبير في المفاهيم سواء على المستوى الشخصي الخاص أو على المستوى الاجتماعي العام بكليته. بوركت جهودكن أيتها المناضلات بحق، فلنضالكن أوجه متعددة من شأنها أن تساهم في تطوير وعينا وفكرنا وحياتنا، ومن ثم في تطوير مجتمعنا…

العدد 1105 - 01/5/2024