في تداعيات «قانون يهودية الدولة» (2من2)

واستمرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في سنّ القوانين العنصرية شكلاً ومضموناً، وفي هذا الصدد هناك ما لا يقل عن 40 قانوناً سارية المفعول ضد فلسطينيي عام ،1948 تعتبر قوانين عنصرية وفقاً للمعايير القانونية الدولية. وتهدف إلى أسرلة المناطق الفلسطينية وتهويدها. وبحسب الائتلاف المناهض للعنصرية في تقرير نشر له عام 2014 أكد فيه القوانين العنصرية زادت فيه عن القوانين العنصرية السابقة بنسبة (70%) وأن جميع هذه القوانين تحتوي على بنود تمييزية ضد الفلسطينيين تصل في بعضها إلى ما أسموه (قانون طرد الغزاة) الخاص بمواطني النقب.

استمراراً لتبني الثقافة العنصرية التي بنيت عليها المنظمات الصهيونية الإرهابية المسلحة التي قامت في فلسطين قبل قيام (دولة إسرائيل)، أعادت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة العمل بالعديد من الصيغ التنظيمية التي كانت تشكل غطاء للممارسات الإرهابية تحت الاحتلال البريطاني (وحدات المستعربين التي أسستها الهاغاناه في أواسط الثلاثينيات، ثم أصبحت دائرة مستقلة عام 1948 وسميت (دائرة الفجر) وما زالت تعمل حتى الآن حتى بعد توقيع اتفاقية أوسلو المشؤومة، تحت اسم دائرة المستعربين في الأراضي المحتلة عام 948 وبشكل خاص في الضفة الغربية المحتلة.

وفي السنوات الأخيرة جرى تداول فكرة ومشروع (الدولة القومية اليهودية). ففي عام 2003 اتخذ الكنيست الإسرائيلي قراراً يقضي بتفعيل وتعميم فكرة يهودية الدولة على مختلف دول العالم جنباً إلى جنب مع محاولة انتزاع اعتراف فلسطيني بذلك. وتوالت المحطات والمناسبات التي ما برحت (إسرائيل) فيها تمارس الضغط على القيادة الفلسطينية للاعتراف بأنها دولة يهودية، وربطت المفاوضات بالاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة.

– خريطة الطريق، التي اقترحتها الإدارة الأمريكية التي وضعت عليها إسرائيل 13 تعديلاً أفرغتها من أي محتوى ذي معنى للقضية الفلسطينية، واشترطت إسرائيل قبولها للخريطة المقترحة ضرورة اعتراف الطرف الفلسطيني بيهودية الدولة – إسرائيل دولة يهودية (أيار2003).

– في الرابع من حزيران ،2003 ألقى شارون خطاباً في مدينة العقبة الأردنية، طالب فيه الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.

– الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على منواله، أعلن مراراً عن تأييده لإسرائيل دولة يهودية حيوية.

– وفي مؤتمر أنابوليس، أكّد أيهود أولمرت ضرورة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية (27 تشرين الثاني 2007).

– الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أكّد وأيد الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وكرّر ذلك أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في عام 2008 وكذلك في أيلول من عام 2010 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين أكّد التزام الولايات المتحدة بالاعتراف بإسرائيل بصفتها دولة يهودية. وفي مشروع اتفاق الإطار الذي قدمته الإدارة الأمريكية أكد ضرورة الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة.

– بتاريخ28 حزيران 2011 توجّه نتنياهو، في كلمة له أمام أعضاء من الوكالة اليهودية في القدس، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مطالباً إيّاه بأن يردّد على لسانه جملة لا تتعدى كلمات أربع (أنا أقبل دولة يهودية). وجاء الرد على لسان الرئيس الفلسطيني، في الجلسة الافتتاحية للمجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد في رام الله بتاريخ 27 تموز (يوليو) 2011 عبّر عن الرفض المطلق للاعتراف بالدولة اليهودية، قائلا (لن نقبل بها مطلقاً).

بتاريخ 23 تشرين الثاني 2014 صادقت الحكومة الإسرائيلية على ما أسمته قانون (الدولة القومية اليهودية) تمهيداً لإقراره في الكنيست الإسرائيلي. ويهدف إلى تحديد هوية دولة إسرائيل بصفة الدولة (القومية للشعب اليهودي) ومما جاء فيه :

– ينص (القانون في بنده الأول على: دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي (في العالم) الذي يطبق فيه طموحه لتقرير المصير، بموجب تراثه وثقافته وتاريخه. وأنّ (أرض إسرائيل) هي الموطن التاريخيّ للشعب اليهوديّ ومكان إقامة دولة إسرائيل).

– يعيد القانون تعريف إسرائيل كدولة (يهوديّة وديمقراطيّة)، وقد جرى إرساء هذا التعريف في البنود التي تفتتح عدداً من التشريعات المركزيّة (مثل قانون أساس: كرامة الإنسان وحرّيّته، وقانون أساس: الكنيست، وقانون الأحزاب، وغيرها). ينتهك هذا التعريف الوجود المدنيّ والقومي للمواطنين الفلسطينيّين، فهم يتحوّلون إلى مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم الأصلي، وأن ديمقراطية الدولة محددة لليهود فقط. – وفي البند الثاني، (إن حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل يخص فقط الشعب اليهودي).

(لا يعترف القانون بحقّ أيّ من المجموعات (غير اليهوديّة) في تقرير المصير، ويمنح القانون مكانة رسمية ودستورية لمصطلح (أرض إسرائيل)، الذي يأتي ليشدد تحديداً على الرواية الصهيونية المتعلقة بارتباط الشعب اليهودي بهذه الأرض (فلسطين التاريخية) واعتبارها الوطن التاريخي للشعب اليهودي. ويرسّخ القانون حقَّ اليهود في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على مواطَنتها، وهو حقّ لا يُمنح أصلاً إلاّ لليهود. وبحسب القانون، ستعمل الدولة أيضاً (على تجميع الجاليات اليهوديّة في إسرائيل، وتوثيق الرابط بين إسرائيل والجاليات اليهوديّة في المهجر). ويحدّد القانون أنّ (الدولة ستعمل من أجل حفظ وصيانة التراث والتقاليد الثقافيّة والتاريخيّة للشعب اليهوديّ ورعايتها وإنمائها في البلاد والمهجر). وفي هذا الصدد وترجمة لجوهر هذا البند عملت (إسرائيل على استغلال المأساة التي رافقت و أحاطت بعملية مهاجمة مكاتب مجلة (شارلي إيبدو) في 7 كانون الثاني 2015 التي قتل فيها أربعة يهود فرنسيين، فجرى نقل جثامينهم لدفنهم في (أرض إسرائيل) باعتبارها (أراضي للشعب اليهودي) بما يعنيه ذلك ضمناً من اعتراف فرنسي بيهودية الدولة الإسرائيلية).

 – وجاء في بند آخر أن (اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة- أما بخصوص اللغة العربية فينص القانون على منحها (وضعاً خاصاً)، ثم عدلت الصيغة إلى اعتبارها (لغة دولة). بدلاً من الصيغة السابقة التي كانت تعتبرها (لغة رسمية).

الهوامش

(1) دراسة سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي، أسامة عكنان، ص8.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) الجزيرة، مقال اليهود وفكرة العداء للسامية، محمد خليفة حسن 22 كانون الأول 2004.

العداء للسامية: مصطلح يقصد به عداء الشعوب من سلالتي حام ويافيث أبناء نوح، لسلالة الشعوب من أبناء سام التي ينتمي إليها اليهود. وقد استغله اليهود الأوربيون الذين لا ينتمون إلى الشعوب السامية لإذكاء الحقد والكراهية لليهود، ويعرّفه الصهاينة في الكيان الصهيوني بأنه كل حركة أو أي شكل من أشكال العداء لليهود مستندين إلى التمييز بين العرقين الآري والسامي.

العدد 1107 - 22/5/2024