كي لا ننسى: فطوم سيريس.. الأم الشجاعة (1880-1965)

ولدت في مدينة حلب 1880 وتوفيت 1965 والدها وحيد سيريس، الشاعر الأمي ولاعب الشطرنج والضاما الشهير.

تزوجت من التاجر الملقب بالسيد أحمد محبك المشهور بالعقاد، وهو من وسط اجتماعي طيب. أنجبت منه ثلاثة أطفال (عبد اللطيف وعبد الفتاح وربيع).

وبقيام الحرب العالمية الأولى سُحب زوجها السيد أحمد إلى العسكرية، فأتقنت العمل على النول العربي وصارت تنتج ما يسمى (الجبَرْ)، ويصنع من خيوط الحرير الملون والقصب وأحياناً خيوط الذهب تُحلّى به البرادي ومعارج الخيول.. وعندما علمت بقدوم العساكر إلى (قشلة الترك) ثكنة هنانو إثر انتشار وباء الطاعون بينهم، اتجهت إلى الثكنة ودخلت مع الحشود تفتش عن زوجها بين الأموات حتى عرفته من صايته الباذنجانية، فحملته على ظهرها وخرجت به من (القشلة) واستأجرت حماراً حملته عليه، وكان بين الحياة والموت، ولم يعش طويلاً حتى فارق الحياة رغم عنايتها الفائقة به.

وفي فترة هجرة الأرمن إلى سورية تعرف ابنها ربيع على شباب أرمني هو بيير شاداروفيان، شرح له مبادئ الشيوعية وجعله يعتنقها، وخلال بضع سنوات تمكّن ربيع من إقناع الكثيرين بمبادئ الحزب وفي طليعتهم أخوه عبد الفتاح الذي حاز على شهادة البكالوريا، ثم أصبح مدرساً للرياضيات والعلوم.

كانت فطوم، وهي العاملة الكادحة التي ربت أطفالها وأنفقت عليهم بكدّ يمينها وسهر الليالي على خشبة النول، تحمل أحاسيس المرأة العاملة، وتدرك مدى استغلال أرباب العمل للطبقة العاملة، لهذا كانت تتابع نشاطات الحزب وتتعرف برجالاته الذين كانوا كثيراً ما يحضرون سراً إلى بيتها ويختبئون من المطاردة.. فقد اختبأ عندها القائد والمفكر الشيوعي فرج الله الحلو، واستقبلت في بيتها السكرتير العام خالد بكداش وغيرهما من الرفاق.

وفي زمن الوحدة اعتُقل ابنها ربيع مع عدد من رفاقه من بينهم بيير شاداروفيان، الذي توفي بين أيدي السجانين أثناء التحقيق في حلب، وكان سيأتي دور ربيع للاستجواب إلا أن الإرباك الذي حصل بوفاة بيير حال دون التحقيق مع ربيع، وتسربت أخبار من إذاعة موسكو عن وفاة بيير وربيع أثناء التحقيق، وسرعان ما قامت فطوم (أم ربيع) بالاتصال بأمهات وأخوات المعتقلين وبنساء العائلة الذين استجابوا على عجل، وتجمعوا فجأة أمام الشعبة السياسية في العزيزية بمظاهرة نسائية حامية انطلقت فيها صرخات (الولاويل) والعويل، وكان أغلبهن يرتدين الملايات السود وهن يطالبن بإظهار جثتي المغدورين بيير وربيع، فحضر على الفور أحد الضباط وسأل أم ربيع: (من أعلمك أنهما قد ماتا)؟ فأجابت: (روحوا لحارات النصارى وشوفوا العزا والولاويل). فقال لها الضابط هامساً: (والله، ابنك ربيع على قيد الحياة).

وفي أيامها الأخيرة كان يشتد عليها المرض، فاستحضر لها ابن أخيها المهندس عبدالله صديقه الدكتور إحسان الشيط، وعند دخولهما حاولت وضع غطاء على رأسها، فأشار لها ابن أخيها بأن الدكتور من (الجماعة)، فما كان منها إلا أن رفعت الغطاء قائلة: (كلكم بسعر أولادي، الله يكثر نسلكم).

العدد 1105 - 01/5/2024