لماذا تغيب إدارة المخاطر عن مؤسساتنا؟

الأزمة الراهنة التي تمر بها سورية، فرضت على مختلف المواطنين وضع خطط بديلة لأي طارئ قد يواجهونه، وخاصة من الناحية المعيشية والاقتصادية، فالمستهلك وضع خططاً لتقنين مستلزماته المعيشية بما يتناسب ودخله الذي يتقاضاه، وهذا التخطيط البديل أو الإجراءات الاستثنائية المتبعة من قبل المواطن تسمى إدارة المخاطر، وهنا لا بد من السؤال: هل تملك مؤسساتنا العامة والخاصة خطة إدارة للمخاطر؟.. وكيف يمكن تطبيقها؟.. وما هي عوائق تطبيقها؟.. مع الإشارة إلى أن الظروف الراهنة والعقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على الاقتصاد السوري تجعل من الضروري جداً على مختلف المؤسسات أن يكون لها سياسة إدارة للمخاطر، لتجاوز هذه العقوبات ولتخطي الصعوبات والظروف الطارئة التي تطرأ على نشاطها الاقتصادي والخدمي.

قبل الخوض في أهمية إدارة المخاطر من شتى الجوانب الاقتصادية، لا بد من الوقوف على مفهوم إدارة المخاطر والطوارئ:

يرى البعض أن المخاطر هي مزيج مركب من احتمال تحقق الحدث ونتائجه، أما إدارة المخاطر فهي جزء أساسي من الإدارة الإستراتيجية لأي مؤسسة، وهي الإجراءات التي تتبعها المؤسسات بشكل منظم لمواجهة الأخطار المصاحبة لأنشطتها، بهدف تحقيق المزايا المستدامة من كل نشاط.

طالب: ثقافة إدارة المخاطر غائبة في المؤسسات..

الخبير الاقتصادي نضال طالب أكد في تصريحه لـ( النور)، أنه لا يوجد في سورية نموذج عن مؤسسات تتبع إدارة المخاطر، (مع العلم بأننا في هذه الظروف أحوج ما نكون إلى إدارات مثل هذه، تعنى بإدارة المخاطر المتعلقة بمفرزات الأزمة).

وأشار إلى أن إدارة المخاطر تعرف بأنها أفضل الوسائل التي من شأنها حماية المنشأة والعاملين فيها من الخسائر المادية المحتملة، وتثقيف العاملين بكيفية أدائهم لأعمالهم أداء صحيحاً لمنع وقوع الخطر، كما أنها عملية تتمحور حول اتخاذ القرار لمواجهة أي خطر من الأخطار التي يحتمل أن تتعرض لها منشآت الأعمال أو الأفراد، بالتعرف على أسباب الخطر المختلفة، وتقدير نتائج تلك الأخطار، ووضع أفضل الطرق أو الأساليب لمنع وقوع المخاطر أولاً، ولتقليل آثارها إلى أقل ما يمكن إن وقعت.

وتساءل طالب: (هل هذه الثقافة موجودة حالياً في المؤسسات؟! بالطبع لا).

ورأى أن ثقافة إدارة المخاطر والأزمات لم تدخل عملياً الاقتصاد السوري، مضيفاً: (القطاع العام تحكمه قوانين، لذا لا بد من تعديل القوانين اللازمة وخصوصاً حالياً، ولكن ماذا عن القطاع الخاص الذي لا تحكمه هذه القوانين؟.. هل يمارس ادارة المخاطر؟! لا أظن ذلك، إذاً الثقافة غير موجودة ولا تعمل عليها الجهات التي يجب أن تعمل عليها، وهي المسؤولة عن السياسات الاقتصادية والمالية والائتمانية وأيضاً التعليم المدرسي و الجامعي).

مؤسساتنا تعيش كل يوم بيومه..

ولفت إلى أن مؤسساتنا (تعيش كل يوم بيومه، ولا توجد خطط بديلة تحمي المؤسسات من مخاطر محتملة).

وقال: (لا يوجد تخطيط استراتيجي.. هذه مشكلتنا في إدارة الاقتصاد السوري ككل، وكذلك على مستوى المؤسسات الفرعية، فلو كان هناك تخطيط استراتيجي لوجدت هناك خططاً وبرامج زمنية رديفة وبدائل وخيارات مكتوبة وموضوعة للاحتياط).

وأضاف: (التخطيط السليم هو وضع خطة عن طريق تحديد المشكلة وعرض البدائل واختيار البديل الأنسب.. وهذا عملياً غير موجود على أرض الواقع وإنما ننتظر المشكلة لتقع، ثم نتخذ أسهل وأقرب حل ممكن، وننتظر النتائج الكارثية.. هذه هي طريقة تخطيطنا).

إدارة المخاطر ترتبط بالاقتصاد..

ولفت طالب إلى أن قضية إدارة المخاطر ترتبط بالاقتصاد ككل، لأن المخاطر هنا ليست مالية فقط، ولكن شخصية أيضاً وغير ذلك، ولكن إذا ما تحدثنا عن مخاطر مالية، فالقطاع المعني هو القطاع المالي والائتماني.

وبالنسبة للمؤسسات الحكومية قال طالب: (هيكليات المؤسسات الحكومية قديمة قدم التاريخ وعصية على التغيير، والذهنيات الموجودة في الإدارات اعتادت عدم قراءة المستقبل والتنبه للمخاطر والمتغيرات، وإنما كما قلت معالجة كل قضية على حدة).

لنبدأ بتعديل التشريعات

وعن النتائج المرجوة في حال طبقت إدارة المخاطر في المؤسسات الحكومية، أوضح طالب: (ستكون هناك قدرة على مواجهة الظروف الاستثنائية، ولكن إذا ما تعاملنا مع ذلك كإدارة مرتبطة بمجموعة قوانين وتشريعات قديمة غير ملائمة وغير مرنة فلن يكون لهذه الإدارات أية فائدة). ووجد أن أولى خطوات تطبيق إدارة المخاطر هي تعديل التشريعات التي تحكم المؤسسات العامة ذات الصلة، لتلائم الوضع المرتبط بعملية إدارة المخاطر، وقبل ذلك نشر هذه الثقافة بين الإدارات بشكل ملائم ومناسب وعملي، مع تأهيل كوادر لازمة لإدارة المخاطر.

أهمية تطبيق إدارة المخاطر..

بعد العرض السابق تتضح لنا أهمية أن تقوم الحكومة باعتماد إدارة المخاطر ضمن مؤسساتها أساساً للتخطيط الاستراتيجي في عمل أي مؤسسة، بحيث تكون هناك خطط بديلة لأي طارئ يقع في عمل المؤسسة أو عمالها.. وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها سورية، ذلك أن درجة المخاطر عالية، مما يؤكد أهمية تطبيقها وتعديل التشريعات بما يتوافق مع هذه الخطوة ذات الأهمية القصوى حالياً ومستقبلاً.

العدد 1105 - 01/5/2024